ربما كان علينا التريث، ربما كان علينا الصبر قليلًا!
قبل إصدار حكم على أنفسنا بالفشل أو العجز.. نعم ليس لنا الحق في إزهاق أرواحنا قبل أن تزهق.
هذا نوع مبهم من الانتحار وصنف مغلف من الاستسلام للموت المؤجل في هيئة الحياة.
دمرت الأحزان دواخلنا حتى صرنا أشباحًا لا تصلح للحياة.. الاستسلام لتلك الأحاديث التي تنبع من سطور سطرها الماضي على لسان أحد ما أو ضمنها في ذلك الموقف البائس ليست نحن.
إنما نحن أطفال لبسنا أجساد الكبار واستخدمنا عقولهم، وسنظل على تلك الطفولة الجريحة حتى نداويها، ويعلم ذلك السجين داخلنا أنه ليس كما أقنعه الواقع من حوله، ولو أدرك أن جدران سجنه أوهى من بيت العنكبوت لمزقها وانطلق، لكن هنالك في تلك البقعة من الماضي تكمن المخاوف في زاوية يصعب على الكبار الدخول إليها!
تلك الحالة من شرود الذهن في ذلك التوصيف المؤذي على لسان أبيك أو أستاذك في المدرسة، تلك اللحظات التي تقرع فيها كلمات أحدهم باب ذاكرتك لتستحدث الألم، وتلك اللحظة التي يشد بها خطاف الوجع قلبك باتجاه طفلك المنسي في غياهب العمر وشعرك الأبيض، ما هي إلا قناعات تمزقها قناعات مثلها.
صدقني أيها القارئ!
إذا غيرت تعريف الموت في قناعاتك فستتغير مشاعرك، ولن تحزن إن مات غال عليك كما كنت تحزن من قبل!
وإن غيرت معنى النجاح في ذهنك واستبدلت به تعاريف أخرى، قد لا يستوجب بعدها الأمر أن تحقق ما تريد لتصبح ناجحًا حتمًا!
المحاول ناجح، والمتقدم ناجح والذي تعلم من دروس الخسارة ناجح.
لا يستوجب الفوز أن تقف على عرصات التكريم ولا كل تلك الأوراق والقلائد، هي برمجات مجتمعية لقيادة القطعان قيادة جماعية فاخرج من القطيع وتحرر!
اجعل لك تعريفًا لكل شيء تمر به يتناسب مع تطلعاتك، مع آمالك، مع تلك السعادة المنشودة التي تستحق أن تحيا فيها.
عندما كنت صغيرة، كنت أرى في الشاشة البائسة المجتمعات المتحضرة وهم يأكلون على المنضدة، في حين نأكل نحن في الأرض، فتكونت عندي صورة للحياة المثالية لا تكتمل إلا بالمنضدة!
وعندما اشتريت واحدة بعد 30 عامًا لم أكن أشعر براحة على أي حال إلا بتناول طعامي على الأرض!
إذن فالحياة ليست كما رسمتها الشاشات، ليست تلك الخريطة هي نحن!
تسرعنا كثيرًا عندما سلمنا عقولنا ليصب فيها الآنك الثقافي المذاب، تسرعنا كثيرًا عندما اعتقدنا أن كل ما يردده الناس بدرجة كبيرة هو الواقع.
واستعد عزيزي القارئ للصدمة التي سأصدمك بها!
أتعلم ما الواقع؟
الواقع هو ذلك الخيال الذي يسيطر على عقلك، وتلك الأمنيات، وتلك المواهب التي تتحكم بروحك وتميل إليها أناملك.
تلك هي الواقع، وما تعيشه هو صنف من الزيف خلقته بيديك التي تؤمن ببرمجات المجتمع ووعي القطيع.
وصدقني أنك ميت تعيش في جسد حي برزخك، كل المتشابهين أموات يمشون على أقدام بيولوجية حية.
إن لم يكن لديك موهبة تتميز بها عن الغير فقد فارقت تلك الروح المتوهجة بداخلك وأطفأتها، ذلك القنديل الرباني الذي يملؤك بالنور قد وهت شعلته، وذلك النور الذي ينبعث من داخلك قد حجب، فبدا ذلك واضحًا في شحوب وجهك، في تلاشي بريق عينيك وفي الزرقة على شفتيك أيها المخنوق بـ"قالوا"، أيها التعيس بـ"سيقولون"!.
حاولت أن أصبح معلمة لغة إنجليزية وفي داخلي كاتبة عربية فتعبت كثيرًا، وقضيت في التيه 40 سنة ذلك بأني جبنت عن اقتحام قدس موهبتي وتحريرها، وكم من رسام قتل في جسد طبيب بائس يكره مهنته!
وكم من رياضي أجهض من رحم ليشق طريقه مهندس لا يطيق هندسته!
لا تحاول أن تكون هو فتختفي ويظهر هو، فلا تستطيع بعدها تقبل غريب يقطن جسدك المنهك المتثاقل.
جنون استحضار المعاني من أفواه رممت في أجداف الماضي هو جنون الهلاك والرغبة في الاندثار.
أنت لست ما يقولون، ولست ما يريدون، ولست كما يفعلون.
أنت فراشة من نور أودعها الله جسدك تنتظر انطلاقها.
أنت شعاع في مشكاة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، فلا تحتجب بأفكار تتبناها ليست أنت.
أغسطس 3, 2023, 5:07 م
جميلة وفاقت الوصف ❤️
أغسطس 3, 2023, 5:15 م
سلمت الايادي المتابعة
أغسطس 3, 2023, 6:13 م
روعة فعلا... اكثر ما لفت انتباهي المقطع الذي صغتي فيه الشخصية التي تريد شيء وتصبح شيء اخر.. فعلا... هذا الواقع.. فلطالما تمنيت اكون طبيبة او اي شيء يخص الطب لكن انحرف الطريق وتدهور بينما كنت احاول الوصول وكانت الرياح قوية فغيرت مساري السفن ثم وجدت نفسي هنا في مجال الكتابة ولكنه أنعش روح كانت لحظات وتفارق الحياة والحمد لله وجدت ضالة داخلي بعد صعوبات كثيرة.. شكرا لوجودك في حياتك زميلتي زبيدة ❤️
أغسطس 3, 2023, 6:55 م
اذا ظالتك هي ندى الكاتبة
أغسطس 6, 2023, 9:41 ص
رائعة كلماتك و طريقة صياغتك الجمل ماشاء الله
أغسطس 27, 2023, 5:22 م
وصف يفوق الخيال اعتقد أنه يمثلنا جميعا
سبتمبر 9, 2023, 9:53 ص
اشتقت لكتاباتك يا زبيدة ارجو ان تكون بخير و عافية و اتمنى ان تعودي بسرعة و بقوة 🤍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.