أي بُنَيّ، لك جميل التَّحية ممَّن جار عليه الزَّمن فترك فيه ندبًا في الفؤاد محفورًا، ووشمًا على الجبين مرسومًا، ومعصمًا خلَّفه جور الزَّمن مبتورًا. أقول إن كنت لحديثي مصغيًا، ولمقامي حافظًا، ولروايتي متدبرًا.
ترفَّق بحالك إن كنت تعي أنَّ الهموم أمرٌ مقضيّ، وتدبر أمرك ولا تقعد مثل عوالق الأرض فيفسد ثمرك. فإن أنت حزمت فلا تترقب مرور عابرٍ ليرشدك، ولا تسلم بإشارات يكتبها لك غير نفسك، فالدَّرب دربك.
أي بُنَيّ، لا تخجل إن أخفقت يومًا أو تعثَّرت، فانهض ولملم أوراقك، ورتِّب مقالك، وضمّد جراحك بنفسك، فإن أنت عمدت إلى غصنٍ عليه تسند ظهرك فحاذر، فقد تجده عدوك وإن أحسن تضميد جرحك، ولو تخيَّرت البقاء وحيدًا فكن أنت الطّبيب وأنت البلسم، وأكتم شكواك ولا تحزن، ولا تتودَّد جهرًا، فحتى النّبات له بين الأوراق ألسن.
أي بُنَيّ، ترفَّق بضعيف إن رأيت على جبينه وشمًا يحدث عن عزٍّ ومعدن، ولا تترفَّق شفقةً بل بقدر ما يحمل في سريرته من خُلقٍ، وأخلق له ألف عذرٍ إن تعثر، أو زاد عن ملفوظ الكلام ما لست عليه بمسيطر.
أوصيك أن تسمع حين يكلِّمك المُطنب في المقال إن تكلَّم، وأنصت لمن تعوزه الكلمة فحدَّثك بإشارة تبدو كَالطلسم وأنصت لمن لهم في الكلام فواصل، فتلك حكمٌ يلفها ألف معنى، وتريث حكمك إن نطقت بردٍّ، فكم من ردود مثل سُمٍّ عَزّافٍ يقتل، وكم من ردود مثل ترياقٍ يسعفك كي تعيش وتحلم، فتبني لنفسك مقامًا عند ذوي النفوس النقيّة، وفي وجدانهم يشيِّدون لك قصرًا.
أي بُنَيّ، لا تيأس، ففي الحياة معابر كثيرة، ولك فيها نصيبك، وإنَّك لكادحٌ إليه إن توكلت، وملاقيه إن صبرت، وقابضٌ عليه بقلبك قبل معصمك، فاعمل على أن تكون أنت دون غرورٍ ولا كِبْر، وكن وفيًّا لمعدنك، وأسرع خطاك لطالب نصرتك، وأفرش جناحيك لمكسور الظهر إن عجز عن مجاراة خطواتك، فإن كنت اليوم للضعيف معينًا، فقد تنصر من قويٍّ حليمٍ في يومٍ لا تملك فيه صاحبًا.
أي بُنَيّ، اجعل من عقلك مرشدًا، ومن إحساسك منذرًا، ومن وجدانك مخزنًا، وثِق بمن بعث في كيانك عروقًا تنبض، ولسانًا ينطق، وعيونًا تبصر، وقلبًا يخفق، واشكر في ليلك ما شئت، وتعبَّد في نهارك قدر ما يسكت فيك وسواسك، ثم سلِّم واغتنم بسكينةٍ لا تبرح كيانك فتنعم وتغنم.
ولك مني سلامٌ وسلامٌ حتى تأمن فتسلم.
رائعة جدا ابدعت صديقي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.