خاطرة "وسائل الراحة".. خواطر وجدانية

كنت من القارئين كثيرًا، حتى كان البعض يطلق عليَّ "سوسة قراءة"، لم يكن لدينا في ذلك الوقت التليفزيون، وكانت وسيلتي المثلى في التعرُّف على العالم من حولي القراءة دون غيرها، لكن أدخلت التليفزيون بيتي لسببين؛ الأول حتى لا أكون أقل اجتماعيًّا من جيراني، والثاني حتى لا أوصف بالبخل والرجعية.

كنتُ أمشي كل يوم نحو ساعة سيرًا على الأقدام، وأشعر بالسعادة الفعلية؛ لأن كل جزء من أجزاء الجسم يتحرك مع عقلي، والكل ينطلق معي قبل أن أذهب إلى جهة العمل، وكنتُ أشعر بأنني أحصل على احتياجاتي من الهواء النظيف، حيث كنت أمر على الحدائق من حولي، وأسمع زقزقة الطيور الفرحة بأنها عادت من رحلة النوم إلى رحلة الحياة، ثما إنها حصلت على وجبتها من الإفطار مع بزوغ شمس النهار.

والآن للأسف أصبح عندي سيارة تجعلني أمشي وسط السيارات الأخرى، وأعرج على محطات البنزين، وأشم رائحة البنزين المنفرة لي، وأصبحت بطني تتدلى أمامي من الراحة، فلم أعد أحرق الدهون اليومية، بل أصبحت أشعر بالتعب حين أمشي على قدميَّ، وأنا الذي كنتُ أفخر بين الناس بالمشي اليومي، وكنتُ أسخر من أصحاب الكروش الفارهة التي كانت تتدلى صعودًا وهبوطًا معبرةً عن مخزونها الاستراتيجي من الشحوم التي أصحابها يعبرون عن العز والثراء الفاحش، ويجب أن يحولوا أموالهم إلى متع سواء في الطعام أو الفسح والسفر، وينهلون من العادات السيئة التي حصلوا عليها من الثراء القاتل.

بعد أن كنتُ أمشي وأشتري كل ما أحتاج إليه من السوبر ماركت، الآن أصبح السوبر ماركت يأتي إليَّ حاملًا كل ما أطلب مما لذَّ وطاب من الأطعمة دون تعب.

حتى الطهي، الآن تخلت زوجتي عن عادتها في الطهي، وامتدَّ ذلك إلى غسل المواعين. للأسف جعلني الموبايل كسولًا لا أكتب الرسائل، بل أرسل إيميلات، وبذلك أعطتني التكنولوجيا وسائل الراحة في كل شيء، لكنها لم تتركني سعيدًا، بل غمرتني بالمتاعب التي من الصعب أن تغادرني، ومن الصعب أن أتخلى عن الراحة التي حصلت عليها من التعامل مع التكنولوجيا.

كل الأشياء أصبحت متاحة لي بزر أضغطُ عليه وأنسجم معه مع التكييف الذي أصبح رفيق غرفتي..

آهٍ من الراحة التي جعلتني كسولًا أرفض المغامرة التي كنتُ دائمًا أقدم عليها، توهجت حياتي بالهموم والتبلُّد، لم أعد أطيق تجنب المكتسبات التي حصلت عليها. لقد جعلتني التكنولوجيا أرفض التعامل مع الطبيعة، حتى مع رائحة العطر نسيت رائحة الورود... مع الوجبات الجاهزة نسيت كيف يطبخ الطعام... أصبحت حياتي كلها ركض في ركض وعناء في عناء.. 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة