خاطرة "وحي من المشفى".. خواطر حزينة

لا أزال بعد مرور ثلاث سنوات على التحاقي بالتخصص والعمل في المشفى الجامعي غير قادرة على التعامل الموضوعي مع آلام النّاس...

لا أقول إني أجلس في زوايا الغرف أتباكى عليهم.. لا، ولا يدفعني ذلك لتغيير شيء في حياتي وتعاملاتي مع الآخرين، إلا أني وتحت تأثير ثقله، لا أفتأ أذكره وأردده كلّما شكت نفسي أو شكا لي الأصحاب مضيقًا من مضائق الحياة التي تمر بهم... فأذكرهم بالدروب الواسعة التي يرفلون فيها دون منغّصات... دروب تمام العافية، ونعيم الكفاية المادية...

في بلد صار يعيش تحت خط الفقر، لا ينقضي الأسبوع فيه إلا وقد استقبل مرضى سوء التغذية، وفقر الدم الشديد الذي يصل لمستويات لا تُصدق من الخضاب الدموي، أذكر مثالًا واجهني منذ بضعة أيام، كان خضاب الطفل الذي تم قبوله في وحدة العناية المشددة يبلغ ٢.٤ والطبيعي لعمره أن يكون فوق الرقم ١١ !

ترون هذه الشفاه الحمراء في المرآة؟

لونها القاني ذلك ناتج عن مستوى جيد من الخضاب في أجسامكم، لقد كانت شفتا ذلك الطفل شاحبتان لدرجة البياض...

تسأل ذويه متوقعًا الجواب:

علامَ يتغذى الطفل؟

تستبدل الأمهات الحليب المؤنسن باهظ الثمن، بحليب بقري غير معدل وغير صالح لتغذية الرضع تحت عمر السنة، ويضيفون له التحلية ونشاء الأرز كي تزيد كميته ويُصبح مُشبعًا...

أو يكتفون بطبخ النشاء فقط مع التحلية

وهو ما يجعل الطفل يكتسب وجهًا دائريًا مكتنز الخدود نسميه في الطب: وجه اللعبة.

تفرح الأم وتظن أن ابنها يزداد وزنًا، وللأسف طفلها الصغير يذوي ببطء...

تسألهم، كم مرة تأكلون اللحوم في الشهر، فتخجل المرأة من الإجابة... هذا وهي بالغة تعاني فقر الدم، فماذا ستوصل لرضيعها لتغذيه؟

في جولة قصيرة للأخصائي على المرضى في جناح قسم الأطفال، يسأل عن حالهم، فأجيبه: هذه مريضة جاءت بفقر دم شديد، والدتها نباتية، فضحك متأسفًا: كلّنا أصبحنا نباتيون...

يقول الناس بفلسفة الرّخاء: المال لا يجلب السعادة.

بلى، يجلب السعادة ويدفع البؤس...

نعم، ليس وحده كفيلًا بقلب الحياة التعيسة لحياة وردية، لكنه سبب عظيم من أسباب رخاء العيش ومدافعة الصعوبات..

فإن اجتمع البؤس وقلّة الحيلة، فليت شعري بأي شيء يواجه الإنسان هذه الحياة الطاحنة؟ 

هذه مناقشة واحدة لحالة واحدة تدق باب قسم الأطفال كل أسبوع مرة على الأقل..

فكيف لو حدّثكم المرء عن كلّ حالة يراها يوميًا..

يرفل المرء في العافية ولا يدري.. ينام ملء عيونه، طعامُه وشرابُه ملء بطنه، وبيته فسيح كريم النّزل، ثم يتشكى من بلاءات صغيرة، ناسيًا النّعم الكبيرة...

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

سبتمبر 11, 2023, 5:40 م

جميل جدا 👍

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 10:52 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 11:00 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 15, 2023, 8:56 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 15, 2023, 7:54 ص - عمرو عبد الحكيم عوض التهامي
نوفمبر 14, 2023, 4:39 م - رزان الفرزدق مصطفى
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 14, 2023, 9:41 ص - أسماء مداني
نوفمبر 14, 2023, 6:27 ص - أسماء منصور علي
نوفمبر 14, 2023, 5:24 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 11:17 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 6:43 ص - رؤى مالك القاضي
نوفمبر 12, 2023, 2:15 م - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 12, 2023, 9:02 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 12, 2023, 8:47 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 12, 2023, 6:13 ص - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 12, 2023, 5:58 ص - موبارك حورية
نوفمبر 11, 2023, 3:32 م - حسام الدين محمد حافظ حسين
نوفمبر 11, 2023, 1:20 م - فاطمة محمد على
نوفمبر 11, 2023, 8:03 ص - نضال الغفاري فضل السيد
نوفمبر 11, 2023, 6:57 ص - اكرام لهواسة
نوفمبر 9, 2023, 12:00 م - اسامه سراج خالد
نوفمبر 8, 2023, 4:43 ص - شهاب الشهابي
نوفمبر 6, 2023, 4:31 م - ساره محمود
نوفمبر 6, 2023, 11:20 ص - سعيد مجيود
نوفمبر 6, 2023, 5:50 ص - بركان زينب
نوفمبر 5, 2023, 10:41 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 5, 2023, 7:19 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 5, 2023, 6:48 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 5, 2023, 6:26 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 5, 2023, 5:49 ص - عايدة عمار فرحات
نبذة عن الكاتب