كانت الأرض تحتضنني بحنانها، والسماء تعانقني بغيمها الصافية، كنت أعيش حياة هادئة وسط أشجار الزيتون القديمة وحقول الأزهار الملونة، كل يوم كان مغامرة جديدة، وكل لحظة كانت ذكرى تبقى خالدة في قلبي...
ولكن الزمن لا يتوقف، وحياتنا تأخذنا في رحلة لا نعرف ما تخبئه لنا، وحان الوقت للرحيل، للتوجه نحو أفق جديد ومستقبل لا يعرفه أحد، كنت أعلم أن الرحيل ضروري للنمو والتطور، لكني لم أكن مستعدًا بعد لترك ما أحب.
في ليلة الرحيل جمعت أمتعتي وحزمت ذكرياتي، كانت الغرفة تشهد على أحاديث الوداع مع أصدقائي المقربين، وكانت عيون الأحبة ممتلئة بالدموع، كانت الكلمات تختلط بين الفرح بفرصة الرحلة الجديدة والحزن على فراق الأمكنة التي عشت بها لسنوات.
ومع أول ضوء الفجر خرجت من بيتي، كان الصمت يسود الشوارع، لا أحد حولي إلا أنا وحقيبتي الصغيرة، تركت ورائي أشجار الزيتون وأزهار الأرض، لكنني حملت معي روحها وجمالها في قلبي.
الطريق إلى المستقبل كان ممتلئًا بالتحديات والغموض، لم أكن أعرف ماذا ينتظرني في الأمام، لكن كنت واثقًا بأنه يجب أن أستمر في المضي قدمًا، كان لدي طموحات وأحلام ترافقني من صغري، ولن أدعى الخوف أو الحزن يثنيانني عن تحقيقها.
في الرحلة تعلمت كثيرًا عن نفسي وعن الحياة، كانت المواقف الصعبة هي التي شكلت شخصيتي وأعطتني القوة لمواجهة التحديات، التقيت أناسًا رائعين في طريقي، من مختلف الثقافات والجنسيات، وتعلمت من تجاربهم القيمة.
أحيانًا كان الشوق يملأ قلبي إلى أجواء بلادي القديمة، لكنني كنت أذكر نفسي بأن الرحيل هو طريق النمو والتطور، كنت أتذكر كلمات الشاعر الكبير جبران خليل جبران: «إن الذي يرحل لا يدرك أنه يرحل إلى ذاته»، كنت أفهم معناها الآن أكثر، فكل تجربة جديدة تغيرنا وتجعلنا ننمو نحو الأفضل.
وصلتُ إلى وجهتي الجديدة، وكانت تلك المدينة مليئة بالحياة والحركة، كان الناس هناك يستقبلونني بابتساماتهم الدافئة وأياديهم الممدودة، كانت رحلتي شريطًا متواصلًا من الاكتشافات والمفاجآت.
تأقلمت مع البيئة الجديدة بسرعة، وبدأت في بناء حياة جديدة، وعثرت على فرص عمل تناسب طموحاتي واهتماماتي، واكتسبت صداقات جديدة وعلاقات ذات معنى، كانت هذه المدينة بداية لفصل جديد من حياتي.
لكن بين الحين والآخر كنت أعود بذهني إلى بيتي القديم، إلى شواطئه الهادئة، وإلى وجوه أصدقائي وعائلتي، كان الحنين يخترق قلبي ويجعلني أتساءل عما إذا كان قرار الرحيل صائبًا، لكن في تلك اللحظات كنت أذكر أن كل قطعة في حياتنا تنتمي إلى مكانها وزمانها، والرحيل كان خطوة جيدة؛ لأنها أعطتني فرصة النمو والتطور.
بالتدريج، أصبحت أنظر إلى الرحيل بنظرة مختلفة، لم يكن مجرد ترك منزلي وأهلي، بل كان بداية لمغامرة متجددة، أدركت أن كل رحيل يعني وصولًا إلى شيء جديد، وتجربة أشياء لم أتخيلها من قبل.
وفي مسار الرحلة أدركت أن وقت الرحيل لا يأتي مرة واحدة فقط في حياة الإنسان، نحن دائمًا في حالة تغيير وتطور، وعلينا أن نكون مستعدين لمواجهة التحديات والمغامرات الجديدة.
لقد حان وقت الرحيل مرة أخرى، لأني أدرك أن المستقبل لا ينتظر، سأغادر هذه المدينة التي عشت فيها مدة، وسأبحر نحو وجهة جديدة، لن يكون الرحيل سهلًا، لكنه ضروري؛ لأنه يمنحني فرصة اكتشاف مزيد عن نفسي وعن هذا العالم الواسع.
في النهاية أدركت أن الرحيل جزء من جمال الحياة، إنها فرصة للاكتشاف والتغيير والتطور، ومهما كانت الوجهة سأحمل معي ذكرياتي وتجاربي، وسأبني مستقبلي على أساسها.
إذا كنت أرغب في أن يكون لي لونٌ آخر فعليّ أن أرحل وأعطني الفرصة، وأنا سأغادر بعيدًا في طريقي ولن يمسَّني أي جروحٍ، فلو أنَّ طريقي يؤلمني ماذا عساه أن يُلمِّني بعد رحيلي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.