خاطرة «وجهان للحياة».. خاطرة إنسانية

في أحد أحياء المدينة القديمة، حيث تصارع الأيام بعضها بعضًا لتفرض إيقاعها، عاشت فتاتان يختلفان كما يختلف النهار عن الليل. "رغد"، الفاتنة ذات الملامح التي تبدو كأنها رسمت بريشة فنان، و"هناء"، التي لم تكن تحمل من الجمال سوى تلك الابتسامة المطمئنة التي نادرًا ما تلتفت لها العيون.

اقرأ أيضًا: خاطرة "لغتي عاشقة".. خواطر رومانسية

رغد لم تكن سيئة الأخلاق، بل كانت تملك شخصية متمردة، لا تخشى اقتناص الفرص، وتؤمن أن العالم لا يعطي إلا لمن يأخذ. أما هناء، فكانت تتبع خُطا الطيبة أينما قادتها، حتى لو كان الطريق ممتلئًا بالأشواك.

كانتا صديقتين منذ الصغر، وإن كانت الصداقة تبدو أحيانًا مجازية. رغد كانت تستغل هناء لتكون عكازًا تستند عليه في لحظات ضعفها، في حين هناء كانت ترى في رغد الأخت التي لم تمنحها الحياة.

مع مرور الوقت، بدأ القدر يوزع أدواره. رغد تحصل دائمًا على ما تريد بجمالها وثقتها، في حين هناء تتوارى خلف الظل، تكتفي بمراقبة السعادة من بعيد.

دخل رجل وسيم يدعى "يوسف" حياتهما. كان هادئًا كنسمة صيف، عميقًا كبحر لا يُدرك مداه. التقى بهناء في إحدى المناسبات، ورأى فيها شيئًا نادرًا؛ نقاءً لا يتكرر. بدأت بينهما علاقة بسيطة لكنها كانت تحمل كثيرًا من الوعد.

رغد لاحظت الأمر، ورغم أنها لم تكن تحب يوسف، شعرت بحاجة؛ لأن تثبت أنها تستطيع الفوز به. كانت المنافسة بالنسبة لها لعبة، وهناء لم تكن سوى خصم ضعيف في معركة محسومة.

بابتسامتها التي لا تقاوم، وبكلماتها التي تغزلت بذكاء يوسف، استطاعت رغد أن تأسر قلبه. لم تستغرق وقتًا طويلًا حتى ترك هناء، متوهِّمًا أن الجمال الباهر الذي يراه في رغد سيسكن روحه إلى الأبد.

هناء لم تعاتب يوسف، ولم تلُمْ رغد. انسحبت بهدوء، كأنها ظلت ترافق حلمًا لم يكن لها من البداية.

تزوجت رغد بيوسف في حفل باذخ، حيث كانت الأضواء كلها مسلطة عليها. لكن الحياة بعد الزواج لم تكن كما توقعت. مع مرور الوقت، اكتشف يوسف أن البريق الذي جذب عينيه لم يلامس روحه. كان يشعر بالغربة مع رغد، التي لم تكن قادرة على منحه الدفء الذي يبحث عنه.

أما هناء، فكانت تعيش معركة أخرى. مرضٌ شديد الخطر أصابها فجأة، وسلب منها كل ما تبقى لها من أمل في الحياة. قضت أيامها الأخيرة وحيدة، تكتب مذكرات عن حبٍّ لم يكتمل، وعن حياة لم تكن عادلة معها.

عندما رحلت هناء، شعرت رغد بشيء يشبه الخوف أول مرة. فتحت دفتر هناء الذي وجدت فيه رسالة موجهة إليها:

"رغد، كنتِ دائمًا الأجمل، لكن الجمال لا يكفي ليبني حياة. تذكري أن القلب الصادق هو الجمال الحقيقي، وهو الشيء الوحيد الذي لن تمنحك إياه المرآة".

عادت رغد إلى المرآة التي لطالما كانت صديقتها، لكنها لم تستطع هذه المرة رؤية ما كانت تراه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة