ليس من العيب أن نخطئ أو تأتينا لحظات ضعف، فنحن جميعا بشر ولسنا ملائكة، ولكن من المخجل أن نتمادى في أخطائنا وزلاتنا دون مراجعة أو محاسبة لأنفسنا.
إن أول استدراج لفساد النفس حينما فقدت نعمة الرضا والشكر.. حينما استدرجتنا العولمة وتحول العالم في أيدينا إلى قرية صغيرة، فبدأت أحلام الغايات ترتفع لدينا في ظل أضواء الجذب المتلاحقة عبر الميديا والإنترنت ووسائل الاتصال التي سلبت عقولنا، فحياة الآخرين من الأغنياء والأثرياء وأصحاب الملايين أصبح الجميع يشاهدها صورة حية يومًا بيوم وساعة بساعة، فشاهدنا القصور والفيلات بمبانيها ومحتوياتها.
شاهدنا رحلاتهم الخاصة لشواطئ ومطاعم أوروبية وعالمية تسلب العقول.. شاهدنا وسائل انتقالهم عبر الطائرات الخاصة والسيارات الفارهة واليخوت البحرية، وبجوارهم الفاتنات مستلقيات بملابس البحر وأجسادهن الذهبية تتلألأ تحت أشعة الشمس.
شاهدنا ملابسهم وأحذيتهم حتى جواربهم فجنت العقول، ليتحسر الشيخ الكبير على ما مضى من عمره دون أن يعيش مثلهم، ويتحسر الشاب الذي يجلس بلا عمل على شبابه الضائع، والذي يعمل ولكن بدخل محدود أصابه الضيق والتذمر، حتى أصاب كثيرًا هوس الحياة المترفة.. إن لم تكن كما نراها فلنحاول أن نتشبه بها فنحاكيها في كل شيء.
فأصاب الجشع مجتمعنا، وتحول نهم جمع المال لدى كثير إلى غاية، واستباح البعض لنفسه الوسائل المشروعة وغير المشروعة كافة.
فالجميع يحلم بالسكن الراقي والسيارة والرحلات والذهاب إلى الشواطئ، والجلوس في المطاعم والكافيهات وشراء كل ما هو «براند».
فأنت تنام وأسواق العالم بجانب وسادتك تسلبك راحة عقلك، وكل هذا يحتاج إلى المال، فتحولنا إلى آلة تسعى لجمعه من هنا وهناك.. إنه المال الذي تسبب في تغيير كل شيء في حياتنا.
أصبحنا نسمع عن جرائم داخل مجتمعاتنا دخيلة على عادته وتقاليده وتدينه، وأصبحنا نرى فئات من المفترض أنها من الفئة المتعلمة الجامعية تقترف جرائم تذهب العقل، وتحولت فئات كثيرة من الطبقات الفقيرة لتبيع نفسها عبر فيديوهات لتحصل على أعلى مشاهدات في سبيل البحث عن الثراء والترف.
اختل عقل الصغير والكبير كل ذلك من أجل المال ومن أجل الثراء السريع.. من أجل الرفاهية الوهمية والبحث عن السعادة المطلقة المستحيلة.. من أجل تحقيق رغبات الجسد المستذلة التي تستنزف طاقة العقل والنفس والروح لتستقر بصاحبها في النهاية إلى طين الأرض.
إن مجتمعاتنا يا سادة بحاجة إلى صحوة أخلاقية.. إلى مراجعة حقيقية تعود فيها القيم إلى أصحابها.. صحوة للآباء والأمهات لإعادتهم إلى دورهم الحقيقي في بناء النفس وإعدادها.
صحوة يسهم فيها أساتذة علم الاجتماع والنفس والتعليم في مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي الذي وصل إلينا، عبر قطعة من الحديد يحملها طفل بين يديه لم يتجاوز عمره السنوات الخمس، لتصبح هي المعلم والمربى له، حتى تفاجأ بإنسان أمامك غريب داخل مجتمعه، فجسده يعيش في عالم وعقله يعيش في مجتمع آخر بخيالات خارج واقعه الذي يعيشه.
لقد سلبت قطعة الحديد التي بين أيدينا عقل الكبير والصغير.. عقل الشيخ والشاب.. عقل المتعلم والجاهل.. جعلت كلًّا منا ينظر لحياة الآخرين ويتمناها ويتحسر على حياته وينقم على المجتمع، فتتولد لديه الكراهية والحقد ويصبح لسان حاله: «وأنا كمان نفسي أعيش اشمعنا هم»، فيستباح كل شيء في سبيل الحصول على المال، فنرى مجتمعًا يعج بالرشوة وضياع الأمانة والغش والجشع والفساد، ويرفع شعار الغاية تبرر الوسيلة.
يا سادة إن النفس البشرية إن تركتها لأهوائها فسدت وأفسدت.. النفس البشرية إن لم تجد التقويم ومن يصلحها تمادت وغاصت في أوحالها..
النفس البشرية بطبيعة الغرائز التي تحملها داخلها كفيله بإفسادها إن لم تجد الردع المناسب لأفعالها، لذا فإن الأفعال والسلوكيات التي تنتهجها في حياتك جزء كبير منها من تأثير البيئة المحيطة بنا، ومن تأثير ثقافات العالم الخارجي التي تنتقل لنا عبر الأثير المرئي الذي تغلغل في عقل الصغير والكبير، حتى أفسد حياتنا البسيطة وضاعت معه نعمة الرضا.
سبتمبر 11, 2023, 7:38 ص
فعلا ولهذا قالوا
النفس راغبة إذا رغبتها -وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقال تعالى : وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (131)
أكتوبر 5, 2023, 7:08 ص
اصبت يا استاذة سادين.... وشكراً لمروركم الكريم 🙏🌹🙏
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.