المثقف الذي حلمت أن أكون مثله...
ذلك الشخص الهادئ الذي يحمل كتابًا في زاوية مقهى شعبي، يحتسي كوب القهوة البارد الذي نسيه لانشغاله بما يقرأ...
يلبس قبعة كلاسيكية وقميصًا ذا أزرار ملونة، وحين يحدثك بالعامية تشعر أن ذبذبات الراديو تختلط مع كلامه، فينطق مصطلحات فصيحة بين الفينة والأخرى كأنه مذيع...
في صباه كان مغرمًا بإذاعة البي بي سي، وأحب قراءة المجلات الثقافية، يعرف معظم عواصم العالم ويجيد لغتين بإتقان على الأقل.. درس القرآن في الكُتَّاب في صغره وتعلم النحو وغيره من العلوم الأساسية في العربية.
غالبًا ما تجد أنه أمضى أيامه في الجامعة بين الحركات الطلابية، ربما أحب الشيوعية وربما أغرم بالرأسمالية، لكن الأولى تصح غالبًا لديه.
يشاهد نشرات الأخبار ليلًا ويستمع بانتباه شديد لكل المتدخلين الذين يتحدثون مع مقدم الأخبار عبر الراديو، وتكون طريقة كلامهم مؤدلجة جالبة للنعاس لمعظم الكائنات، لكن صاحبنا يحبها كثيرًا، فعقله منغمس بعمق داخل الأحداث السياسية، يراها دراما وفيلمًا بالمؤثرات، فقد تعلَّم أن تلك هي الحياة الحقيقية وأن تلك هي القصص التي يجب أن تُروى، لكن لم يُكتب لها ذلك لأن مخرجينا المبدعين ذوي الخيال الواسع يرون الواقع من زاوية أخرى.
حين يلاعب الصغار يحكي لهم قصص كليلة ودمنة، وأحيانًا ألف ليلة وليلة، لكنه لا يحب الصغار كثيرًا... لا يحب ضجيجهم لأكون أدق، لكنه يحب الأطفال ويكون ألطف خلق الله معهم.
من بعيد يبدو متجهمًا وكأنه أستاذ غاضب منك سيوسعك ضربًا، وحين يقرب تتأكد من ذلك، لكنه شخص مسالم لطيف يحملق فيك من فوق نظارته الموضوعة أعلى أنفه ولا يبتسم إلا نادرًا، فالجدية شعاره في الحياة، وساعة مع هذا الشخص قد تغنيك عن قراءة مئات الصفحات من الكتب.
أما الأدب...
فهو يحب الأشعار القديمة، ويكون متعصبًا للمتنبي ويمقت كل شخص يلحن في العربية، يكتب دائمًا أشياء مهمة في مذكرته، لكن لا يطلع عليها أحد، تبقى سرًّا لا يعلمه إلا الله.
هذه بعض من صفات المثقفين الذين ألفناهم وربما بعضهم درسنا، وبعضهم عرفناه فقط من بعيد، ولا أخفيكم... حتى أنا أتمنى أن أصبح ذاك المثقف يومًا ما!
جميل
أحسنت 🌷
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.