بالتطلع لفعل الأشياء الجميلة، تقرأ كتبًا عن الصدق وثمارهِ، وعن كلمة الحق وتأثيراتها، وعن الإرادة والثبات، فتثور بداخلك براكين من المبادئ، التي تبدأ بالتشكل لديك، وترتسم قناعاتك من خلالها، وتبني معتقداتك على ضوئها.
وتنطلق تجر الأيام وتواجه الحياة، فلا تجد نفسك إلا محاصرًا، وحيدًا، وربما منبوذًا، وقد أطلقوا عليك كثيرًا من الصفات، وأخبروك أن الواقع تغير، ويجب عليك أن تفهم الواقع وتكون مرنًا معه، وإلا ستضيع، فتبدأ بحماس وشجاعة، لتثبت لهم العكس، ولكن ما تلبث أن تخور قواك.
أنت وحدك، بلا مدد ولا حيلة، فتبدأ تقاوم الوضع الذي أنت فيه، تريد أن تعود لما كنت عليه في البداية، ولكن الطريق ليس فيه طريق للعودة، إما الاستمرار فيه، وتحمل تبعاته التي تزاد كل يوم، وإما التخلي والتغير، تغير القناعات، وهنا امتحان المرء.
قرأت لأحدهم يقول: درست الصحافة بهدف نصرة الحق، ومساعدة المظلومين، وقول ما أريده، وبدأت ذلك، فبدأت المضايقات، كنتُ أفكر من الذي لا يحب الحق؟ وإن كان لا يحب الحق فما الذي يزعجهُ فيه؟
بقيتُ كما أنا أنشر الواقع، وأخصص مساحاتٍ للأحداث، وأكتب الذي لا يريدون مني أن أكتبه، كنت أكتب ما أراه صوابًا.
ولكني وصلت إلا حالٍ كدتُ أموت فيهِ جوعًا، فبدأت أكتب شيئًا مما يُملى عليَّ، وذات مرة وقفت أمام محامٍ كان يدافع عن قضية اغتصاب طفلة، نظرتُ في عينيه، وقلت: ألا تملك ضميرًا، حين تدافع عن هذا المجرم، وتريد أن تفلتهُ من العقوبة؟
سألني عن اسمي: فأجبتُ، فقال: كُنت أقرأ كل ما تكتبه، ولكن لم تعد تشدني كتاباتك في الأيام الأخيرة، يبدو أنك لم تعد تكتب ما تريد.
وأردف قائلًا: "بين المحامي والصحفي شبهٌ واضح، كلاهما يضطر أحيانًا للدفاع عن الباطل من أجل لقمة العيش".
لقد كان المحامي ذكيًّا، صفعني بكلماتهِ ومضى، ومنذ ذلك الحين كسرتُ أقلامي الحرة، وألقيتها في بحر اليأس والهزيمة، وحولت صحيفتي إلى ترفيهية.
هذا واحد من الذين تجرؤوا على البوح بالهزيمة، وهناك كثير من الذين تضعهم الحياة في وضعٍ يستدعي التخلي عن بعض المعتقدات الصحيحة، لأن العالم ليس مكانًا عادلًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.