دائمًا يتردد أمامنا "يا فرحة ما تمت أخذها الغراب وطار"، هكذا نحن على موعد غياب الأفراح، أو بمعنى آخر تخذلنا الحياة، وتعطينا شبه أفراح، وتُسيطر علينا الحيرة!
لماذا نحن الذين يغادرنا وكأن الحزن عشش لدينا ولا يرغب في التخلي عنا؟ لماذا تلمس الأحزان أيدينا دون غيرنا، دون ذنب ارتكبناه غير حسن التعامل؟
هنا أضرب المثل بتعيين مدير لمؤسسة ما يشهد له الجميع بأنه شخصية رائعة، ويتفاءل الموظفون خيرًا، وأن الأمور سوف تصفو لهم، كل واحد يراوده الحلم في استعادة بريقه؛ لأن رئيس المؤسسة معروف عنه بأنه رجل منصف لكل مظلوم، وسوف يدفع عجلة الترقيات التي توقفت، ويُعيد للمؤسسة بريقها الذي خبا في عهد المدير السابق.
ويأتي الموظفون زرافات إلى مكتب رئيس المؤسسة، كل واحد منهم يرتدي بدلة جديدة وقد حلق ذقنه، أما السيدات فصَّلن فساتين جديدة حتى يُظهرن مدى أناقتهن أمام رئيس مجلس الإدارة الذي طلب الاجتماع بالموظفين؛ حتى يشرح لهم سياسته في تطوير المؤسسة، ويشرح لهم خطته التي ستراعي كل معوقات العمل حتى ينهض بالمؤسسة، وأنه لن يسمح بالتهاون أو الإخلال، وكذلك سيكون رافضًا لكل التجاوزات، لأن العقاب الرادع سيكون مصير كل من يرى أنه صاحب نفوذ.
وشرح لهم أنه أعدَّ قاعدة ثواب وعقاب، وبنود الحوافز والعمل الإضافي، وكلَّف الإدارات داخل المؤسسة بعمل قاعدة بيانات يُمكن بها تطبيق الثواب والعقاب، وكذلك ساعات العمل والإجازات والحالات الاستثنائية التي يُمكن بواسطتها مساعدة بعض أصحاب الحالات الخاصة.
لقد خرج الجميع بانطباع أن المؤسسة ستشهد نقلة نوعية جديدة يمكن بواسطتها التفوق الملحوظ.
وبعد نهاية المولد والحفاوة والاستقبال وترتيب البيت من الداخل، يدخل الجميع إلا القليل منهم في دائرة الإهمال، وقد تبخرت أحلام البؤساء الذين دائمًا يضعهم الحظ على الهامش، لأنهم لا يجيدون التعامل وقراءة عقل المسؤول الجديد الذي لن يسعفه الوقت لمتابعة كل قضايا المؤسسة ودراستها كل واحدة على حدة.
وإذا تفرَّغ إلى ذلك لن تكون عنده رفاهية الوقت لتنفيذ الأجندة التي كلف بتنفيذها، وبذلك تعود نغمة الهموم تطفو على السطح أصحاب الشكاوى الذين تأخر عنهم، ولن يتركوا له الوقت المناسب؛ لأنهم في عجلة من أمرهم، والمسؤول الجديد بين نارين الرقي بالمؤسسة ورفع قدرات الموظفين حتى تسترد المؤسسة بريقها.
لكن من سيسمح له بذلك؟ الوقت ضيق وملفات الشكاوى تلال من الأوراق التي تحتاج إلى عدة لجنة حتى تدرسها بعناية وتتابع أعمال تنفيذها، مع أن المسؤول الجديد يريد فعلًا إعادة لكل صاحب حق حقه، لكن يوجد هناك معوقات كبيرة؛ لأن اليد وحدها لا تصفق كما يقول المثل.
هو يريد وكل من حوله يسعون لبعثرة جهده في الاتجاه المغاير؛ لأنه ليس على هواهم، وفجأة تنفلت الأمور وتزداد المعوقات والمكائد، ويرى المسؤول الجديد أنه لا طاقة له أمام عاصفة المعوقات العاتية، وعليه أن ينسحب من الساحة، ويثبت أنه لن ينجح في تحقيق أهدافه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.