صباح شتوي ضبابي وماطر... أيقظتني أحلامي وسرقتني من واقعي، وعادت بي للماضي السحيق...
أخذني عبق السنين
إلى كل ذكرى شتوية
إلى مطرٍ ومدفأةٍ وأغنية
حيث هناك الحب والخبز والحنين...
حيث هناك الدفء والود وأمنية
وبعض الأنين!
- صوت جدتي وملابسها
عملة قديمة... عيون أبي
صوت عمي يضحك!
يذكرني الجو بهم
رحلات بحرية وبرية
الجبل العالي
والأرض البعيدة، الأزهار الربيعية
يأخذني الحنين لهم
~~ ~~ ~~
-لم تكن الحياة سهلة يومًا معي.. ولكن لا أتذكر أنها كانت بهذه الصعوبة، أصبحت الحياة لا تُطاق ولا تُحتمل...
هناك مسمار عالق في قلبي
وأريد أن أخلعه...
عليَّ التخلص من كل أوثان الماضي. عندما أستيقظ أرى نفسي في بلد آخر، وبيت آخر، وسقف آخر...
لكن سرعان ما تباغتني همومي والمشكلات، تهجم من حولي كرصاص منهمر في ساحة حرب، والسقف يكاد يهبط فوقي...
فأتذكر أني هنا وما زلت هنا...
~~ ~~ ~~
- عند العصر أخذني نعاس طفيف
مع ضوء الغرفة الخافت والمغيب الباكر، إنه الشتاء!
أخذني ليوم كنا فيه عائلة
شعاع شمس وسجادة ملونة
رائحة سمك مقلي... ورائحة بحر
صوت ضجيج ولكنه مريح...
وطعم كأس شاي أحمر بالجوز
حيث تستفيق في هذا الوقت كل الأغاني الرومانسية والأحلام المراهقة...
في هذا الوقت كنا نشاهد فيه الأفلام، ونعيد البكاء والصراخ والمرح!
هذا الوقت الذي إن لم تكن فيه عائلة... فهو وقت جامد لا معنى له، ثقيل لا يتحرك
ومكان فارغ ومظلم!
تشعر بأنك وحدك في هذا العالم أكثر بكثير... مما أنت وحدك في الحقيقة!
~~ ~~ ~~
- في المطبخ الساعة السابعة مساءً هذا اليوم الشتوي البارد...
المطر أشعر أنه يغسل نفسي... يغسل روحي الملطخة...
بعد أن أنهيت الغداء وغسلتُ الأطباق، ها أنا أبحث عنك من جديد!
رائحة الحلويات والفانيليا تفوح من بيتي
أُصوِّر غيوم السماء من شباك المطبخ...
لقد أعددت بسكويتًا منزليًا لذيذًا...
ها أنا ذا أخبزه في الفُرن
تراك قد تأتي يومًا وتطرق بابي، وتأكل مما تعده يداي يوميًّا؟
هل نحتسي معًا كوب نيسكافيه دافئًا؟
أم تراك لا تفضل إلا القهوة السادة؟
هل تحب "الرز مع الشعيرية" الذي أطهوه؟
كثيرون يخبرونني بأن "طبخي لذيذ"
أتساءل وحدي في مخيلتي... كثيرًا ما أتحادث
معك وأخبرك ما أفعل...
أتناقش معك ماذا سأرتدي اليوم
هل يليق بي هذا المعطف؟
هل تحب هذا اللون؟
كثيرًا ما أُلقي الدعابات... وأتهكم...
أغضب وأسخط...
وثُمَّ أفيق....
إنها مخيلتي فقط!
أنا ومخيلتي الحمقاء...
~~ ~~ ~~
- لقد تخليت عن جميع الفرص التي كان عليَّ اقتناصها... وماذا فعلت؟
أورثت نفسي حسرةً وخسارة،
وأنا ما كنت أظن نفسي فاعلة إلا الصواب
وأن التخلي هو أقوى من الامتلاك
والرحيل أسهل من البقاء
والعزلة أفضل من الناس
وهجرت كل شيء، وتركت الناس للناس ... واخترت الحب ... وقلت إنه أهم من الأصدقاء!
لقد قررت وتمردت وتعثرت وحاججت، وفي النهاية
أشعر أني فقط خسرت!
هل أخسر نفسي بنفسي؟
قلتُ ثقتي التي كانت شامخة كالجبال وصرت أتأثر من أصغر الأشياء وأكبرها وأتفهها
-بلحظةٍ ما في العمر
تُصدم بتلك الحقائق... كأن يصبح الفيلم الذي لطالما كان يمثل حياتك... لا يشبهك!
والأغنية التي لطالما عبرت عنك وعن قصتك...
فجأة تصبح لا تمت لك بصلة!
والعيون التي لطالما أحبتك...
تصبح خالية منك...
- قد تعبتُ من التنكر
وارتداء الوجوه
وأداء الأدوار المختلفة
تعبتُ من كوني... أتصنع
شيئًا لستُ عليه حقًّا
ولكن إن امتنعت عن التمثيل
فهل سيتقبلني أحد؟
هل سيحبني أحد بوجعي
وحزني واكتئابي وسخطي؟
هل يتقبلون ندوبي
ووجهي الحقيقي المشوَّه باليأس؟
~~ ~~ ~~
- الزمن كلُّه يقف عالةً على رأسي...
أم أنني أنا عالةٌ على هذا الزمن؟
إن مررت بهدوء... فترقب مني العاصفة
وإن رأيت تعابيري ثابتة...
فاستعد للانهيار
عمري ساعة رملية
والوقت عدوي الأول!
أمشي فألتقي بخيباتي وخسائري
هنا وهناك
ألقي عليها السلام وأمضي!
محملة بالهزائم
ومفعمة بالشتائم
وأقول: متى سأخرج من هذا المكان؟
متى سأنتهي من هذه الإعادة؟
~~ ~~ ~~
- على قارعة الطريق -
طريق واحد، ولكن كلٌّ منا يسكن الطرف الآخر
كالقطبين الشمالي والجنوبي...
النسيان مجرد أكذوبة...
الإنسان لا ينسى أي شيء يمر في حياته مهما كان صغيرًا وتافهًا...
العلاقات تبدو عميقة ولكنها أغبى وأهش من أن تدوم!
اعتقدتُ أنني أعرفهم جيدًا ولكنني كنت مخطئة
الناس والأشجار
البيوت والأوراق
- عندما ينتهي الحب عنوةً... ويُسلب من القلب سلبًا... ويُخلع الفؤاد من مكانه
فهذا شيء لا يمكن نسيانه
ولا استعادته
ولا الوقوف عنده ولا تخطيه...
عندما يكون الانفصال ظالمًا وغير منصف ستظل تتذكره إلى الأبد
سيبقى عالقًا في رأسك آخر مشهد وآخر رسالة وآخر كلمة
لقد كنتَ على إطلاع تام بهذه النهاية ولكنك اخترتها!
~~ ~~ ~~
هل يُحاسب الإنسان على ما أحب؟
كما يُحاسب على ما فعل وما لم يفعل!
هل يُحاسب الحبيب بحبيبه
والقاتل بقتيله؟
مضى كل شيء سريعًا كالموت...
غامضًا، خاطفًا، مؤلمًا...
كما الموت!
مضت السنين والأحلام
مضت أيام الطفولة والأوهام
وأنا مشكلتي أنني قضيت عمري أبحث عن معاني!
معاني كل شيء
وعندما أصل للمعنى وأجده
أزهد بالشيء ويفقد عندي المعنى!
وأرجع لنقطة البداية أبحث عن معنى ...
ولا أجد لأي شيء في الحياة معنى!
لطالما حاولت الهروب، وعشت أتخبط في جدران هذه الفكرة وأحاول الخروج وتعيدني الذكريات
تعيدني الصلة والروابط!
تعيدني فكرة الهروب
والألم والظروف
وأنا عندما أخرج من هذا البلد سأكون
كالخارج من تحت الأنقاض!
لا شيء أحمله في يدي ولكن الألم كلُّه... كلُّ الألم في قلبي!
- لم يختر أحد فينا غربته...
بل كانت إعدامًا من نوع آخر... عندما أكون متعبة ومنهارة وحزينة ...
أنا أهرب من كل شيء
من كل شخص...
من أي أحد قد يسألني: "ما بكِ؟"
ومن أي أحد قد لا يسألني ما بكِ
أنا أهرب من نفسي ومن زوجي ومن أهلي ومن عيوني في المرآة ...
أهرب...
يخنقني هذا الوعي والنضج القاتل
كم أتمنى اليوم لو كنت طيرًا يطير بين أسرابه...
يهاجر معهم أينما هاجروا
طير أقصى أحلامه بناء عشِّه الجميل في مكان آمن على أحد الأغصان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.