قال لي صديقي العزيز: رجاء لا تتحدث عن الأمانة والشرف، ولا عن قوة إيمانك، ولا عن صفات الأخلاق التي تتباهى بها، فأنت لم تختبر بعد.
إن ما تتحدث عنه الآن من صفات ذميمة وترفضها قد تجد نفسك غدًا تفعلها، بل غارقًا فيها فأنت لم تختبر بعد قوة إرادتك وصمودها أمام إغراءات قد تسلب منك عقلك، فنحن يا عزيزي مجموعة من الشهوات تتحرك على هذه الأرض، أجل يا عزيزي لا تنزعج من وصفي هذا فنحن لسنا ملائكة مخلوقة من نور معصومة من الأخطاء بل بشر تحمل صفات طينية، شهواتها متعددة، ولكننا نقاومها حتى نرتقي بأنفسنا قدر استطاعتنا.
فشهواتنا يا عزيزي ليست قاصرة على الشهوة الجنسية رغم أنها تعد أعلى درجة؛ لأنّها غريزة تولد بداخلك ولكن توجد غرائز أخرى نكتسبها من المجتمع الذي نعيش فيه، وكلها في النهاية تصب في غريزتك الجنسية... مهلًا يا عزيزي لا تغضب من تحليلي هذا ولكن تحملني قليلًا.
اعلم أنك رافض تلك النظرة الفلسفية ولكن تعالَ معي نفسر الأمر بهدوء، ولنبدأ بكلمة الشهوة، وهي تأتي من الاشتهاء، واشتهاء الشيء يأتي من تأثير قوة في قوة أخرى فتتحرك الرغبة، والرغبة تأتي من النفس وهي سبب المصائب كلها فهي المحرك الأساسي لك، فالنفس تشتهي المال والسلطة والجنس مثلث الشر وكل ضلع فيه يقابله مجموعة من الصفات الذميمة ولكنها تشترك جميعها في كل ضلع سوف نحاول أن نسجل بعضًا منها، مثل: الرشوة، السرقة، البلطجة، القتل، الاغتصاب، الزنا، الابتزاز، الرق، العبودية، الغش، الاستغلال، الحروب المفتعلة... إلخ، وبما أننا حصرنا مجموعة رئيسة لا يخلو مجتمع من سيطرة تلك الصفات على بعض أفراده لكنها في النهاية سوف تؤدي لعشق النفس للفساد إلّا من رحم ربي.
فيوسف الصديق سيطر على نفسه رغم أنّه كاد أنْ يستسلم لزليخة زوجة عزيز مصر، ولكنه استمد إرادته من الله ونجح في اختباره الأول، ثم جاءه السلطة والمال مجتمعة معًا ليصبح الحاكم الناهي على خزائن مصر، ونجح في اختباره الثاني والثالث اللّذانِ اجتمعا في حوزته فلم يسرف ولم يطغَ ولم يستغل ولم يصبْ بنهم جمع المال واستغلال سلطته ولم يجرِ وراء ملذاته وشهواته.
يا عزيزي، لا تتباهى بأمانتك فأنت لم توضع فى منصب بعد ربما يخرج أسوأ ما فيك، فتستحل مال غيرك وحرمات الآخرين، وربما استحللت دماءهم أيضًا.
يا عزيزي السجون في العالم ممتلئة بالسارقين والمرتشين والمغتصبين ومصاصي الدماء فهؤلاء كانوا واضحين مع أنفسهم من البداية، أما المشكلة الكبرى فيمن يتظاهرون بالعفة والأمانة والشرف ولكنهم يحملون داخلهم أسوأ ما اتصفت به الشياطين، فهم ينتظرون الفرصة ومن يدري فمن استطاع أنْ يفعل منهم شيئًا في الخفاء، فالظروف تتيح له ذلك، ويخرج بعد ذلك أمام الناس مرتديا ثوب الوعظ والحكمة.
أراك لا توافقني في تحليلي هذا يا عزيزي؟ لا تغضب، ولكن سأتفق معك أنا، وسوف أقول لك: نعم يوجد شرفاء كثيرون على هذه الأرض ربما ساعدتهم البيئة والتنشئة على زرع الوازع الديني والخوف من الله فرسخ في عقولهم وقلوبهم الإيمان بوجود عودة وحساب أمام خالق عظيم وربما لم يتعرض هؤلاء لاختبارات حقيقية في حياتهم، وربما التزم البعض خوفًا من تطبيق القانون الدنيوي عليه إذا وقع تحت طائلته، ولكن أتفق معك في النهاية على أن الجميع في هذا العالم شرفاء حتى هذه اللحظة مثلما أنا وأنت شرفاء إلى أن يحين موعد الاختبار.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.