سؤال يطرح نفسه كلما ألقيتُ نظرة في المرآة: مَن أنا ومَن أكون؟ جسد وروح! كيف ذلك؟
ملامح هذا الوجه وهذا الجسد ما حقيقتهما؟ هذه الروح التي تسري فيه أين هي؟ وكيف أني لا أراها ولا أسمع حركتها في داخلي؟ كيف تتجلى هذه الروح؟ أسئلة تتوارد على خاطري، أجيب عن بعضها أحيانًا، وأتجاهلها أحيانًا أخرى.
هي روح تسري في جسد.. جسد يبلى وروح تبقى، هذا خلاصة ما توصلت إليه أبحاثي وتأملاتي.. جسد نمضي وقتاً طويلاً في إطعامه وتزيينه وترفيهه وبهرجته، ثم لا يكاد يبقى منه شيء بعد الموت، وروح ظمأت من طول الانتظار، تتسول لقمة من غذاء خاص تقيم به صلبها، فإن مُنعَت تدمرت واغتمَّت وألقت إليك بشتى أنواع الاضطرابات النفسية والعضوية منها من حيث لا تدري.
فهمت أن هذه الروح تحتاج هي أيضًا لمن يرَفهها، لمن يطعمها، لمن يهتم لشأنها، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وما نوع غدائها؟ وما نوع هذا الاهتمام؟
اقرأ أيضًا: خاطرة "حوار مع غير بشري".. خواطر وجدانية
تلك الروح غداؤها حركة القلب للخضوع لسيده وبارئه، والتذلل له بالحب والثناء، ثم يلي تلك الحركة تكذيب أو تصديق، وحينئذ تبدأ أعمال الجوارح، فهي تفند ادعاءك القلبي أو تصدقه، فترى صاحب الروح الصادق يؤدي ما عليه من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة، ولا يفتأ يُخْلِصُ في تلك الأعمال حتى تمتزج الروح بالجسد، فيلتحمان في توازن عجيب رائع، تطمئن به نفس ساكنِهما، ثم تسكُن، ثم تأمن فترقى في سماء الإحسان، وحينها تتجلى الحقائق ويُجاب على كل التساؤلات، فيُرى الحقُّ حقًّا، ويُرى الباطل باطلاً، وتُزَال الغشاوة ويظهر النور الذي به نحيا، وبه نستمر في هذه الحياة.
اعتدتُ أنا وأنت أننا عندما نقتني آلة جديدة أن نبحث عن الدليل للتعرُّف عليها، وتعلم كيفية استخدامها، كذلك الروح جعل لها خالقها دليل استخدام، وزرع فيها أساسيات ومُسَلَّمَات تجعلها تخطو خطواتها الأولى في هذه الحياة، فعلَّم الرضيع كيف يَلقم ثدي أمه، وعلَّمه أن يصرخ تعبيرًا عن الجوع، وأيضًا علَّمه أن الجزء أصغر من الكل، وأن لكل حادث محدِث، هذا كله وعقله لم ينضج بعد، ولم يكتسب تعليمًا خارجيًا، وإنما هو محض فطرة فطر عليها كل مخلوق في هذه الدنيا.. فما دليل هذه الروح وكيف لها أن تسعَد وتسكُن ثم ترقى في سماء الراحة والاطمئنان، فتؤدي مهمتها التي من أجلها وجدت!
اقرأ أيضًا: كتاب " لغات الحب الخمس ".. ماذا يحتاج الحب بين الزوجين لكي يستمر وينمو؟
فما يكون هذا الدليل إلا الوحي الإلهي الذي به تتناغم هذه الروح مع الجسد، فتعطينا ذلك الإنسان السويَّ الذي يأبى بأن يزاحم دليله الموفق شرذمة من الآراء والنظريات تتطاول على ما ليس لها، وما لا تعرف كنهه، وقد أقر ذلك مالك تلك الروح: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا}.
اقرأ أيضًا:
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.