القاهرة الجميلة، القاهرة أيام الخمسينيات، أيام الهدوء والجمال والمشهد الباعث على الارتياح، كيف كانت المرأة آنذاك مدللة، سعى إليها المدرسون بمختلف التخصصات لتعليمها فن البيانو والإتكيت واللغة العربية والإنجليزية.
زيادةً على حياة البهجة والسرور بالسفر والرحلات وزيارة دور السينما والمسارح برفقة زوجها، كيف أحست بأنوثتها، وكيف صانها عائلها راوي هذه الفطرة وراعيها وحنا عليها، ولم لا؟ فهو المسؤول عنها.
كيف نشأت بلا هموم، بلا مشكلات لتتهيأ لتربية جيل صاعد ناشئ على أخلاق حميدة، فقد ترعرع داخلها الجنين، وهي صافية الفكر بعقل يحمل معاني جميلة للحياة، فلا عجب، فالطفل يشرب من أمه أخلاقها وطباعها وأسلوب تفكيرها.
اقرأ أيضًا: من كتاب "الجنس الآخر".. هل الأنوثة كافية لتعريف المرأة؟
وهكذا تمر الأيام لنراها جدة لابن ذي مركز مرموق يقبل يديها، ولتشهد على حياة بنت ابن ابنها، وهي في غرفتها تسمع أغنيات صاخبة مع مشهد من النافذة للقاهرة الآن، وزحمة الطرق وامتلاء الجامعات، وسعي البنت إلى تحصيل العلم في جو مملوء بالمشاكسات والخلافات والصراعات، كل هذا والذاكرة تخزن، تخزن كرهًا نما داخلها ضد المجتمع والناس.
حصلت البنت على الشهادة، وقررت أن تعتمد على نفسها، وتلبس خوذةً ودرعًا واقيًا ضد تقلبات الحياة، فلم تعد الحياة كما كانت تحكي لها جدتها، بل أصبحت غابة البقاء فيها للأقوى، قررت أن تأكل كل من يعترض طريقها قبل أن تكون هي الفريسة لغيرها، هكذا هيأ لها المجتمع حال المستقبل، لتنتقل إلى العمل بما فيه من مشاق وسخافات ومعاكسات حتى جاءها الخاطب، فظنت أنها ستعيش أخيرًا كما قصت عليها جدتها، لكن الحياة لم تمهلها، فقد فوجئت به طامعًا متكالبًا على رزقها متحججًا بصعوبة الحياة وثقل المسؤولية.
لم تجد فارس الأحلام الذي نسج صورته خيالُها على إثر حكايات جدتها، انتظرت قدومه، لكنه لم يأتها، فتزوجت بطارق يطرق بابها، وتقلبت في هذه الحياة لنراها أمًا لولدين تستيقظ مبكرًا لإعداد الافطار، ولا يسع وقتها إلا لتتناول نصف كوب من القهوة حتى تستطيع أن تستكمل يومها، تسرع بالأولاد إلى مدارسهم لتذهب إلى عملها متأخرة؛ لتسمع ما يؤذيها من صاحب العمل، فتسخط على زوجها، فهو من تركها تشقى، ولم يرو فيها فطرتها وإحساسها بأنوثتها، بل حملها ما لا طاقة لها به.
اقرأ أيضًا: نظرة المجتمع إلى المرأة قديمًا و حديثًا
وجاء يوم سعى إليها برنامج تلفزيوني لينقل لنا مشهدًا لرأي المرأة في مساواتها بالرجل، وبدلًا من أن تصرخ أمام المجتمع بوجعها، تبنّت مقولة: «إن المرأة نصف المجتمع»، وتناست أنه لا يصح أن نقسم المجتمع إلى نصفين، فالأمة جسد واحد، تبنت أن لها كيانًا مثلها مثل الرجل، فهي ليست تتمة عدد، وتناست أن كيانها حفظه الله لها بتحمل الرجل لمسؤولياتها، فمن علمها أن تردد هذه الأقوال ومحا من ذاكرتها أن من رحمة الله بالمرأة أنها ليست كالرجل، فقد رحمها الله من أعباء الدنيا، وجعل القوامة للرجل، غواها المجتمع بكل نزواته وزين لها حياتها باستقلالها عن الرجل، لكن أين الحياة؟ وأنا أردد أني نصف المجتمع، وها أنا ذا أردد مقولة تعكس ما أؤمن به، وهي استقلالية المرأة، فهل يصح أن يستقل النصف وهو يحتاج إلى النصف الآخر؛ لاكتمال نصابه الحياتي، هكذا نتبنى أفكارًا وقضايا وندافع عنها ونتناسى ما لنا وما علينا.
انتبهوا حتى لا تسيروا في مسار السيل، فينجرف بكم وبأفكاركم إلى غيابات الجب التي ليس بعدها عودة إلا بشق الأنفس، هكذا ضاعت قيم وعلت عليها أفكار سوداوية.
جميلة وروعة صح قلمك
حقا أن المرأة اليوم تعانى من
سحب الهوية تحت مسمى الحرية
والاستقلالية وللأسف الكل يردد
دون وعى فكرى أو حتى دينى؟!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.