خاطرة "منتصف الليل الأزرق: من سلڤادور إلى سلوڤانة".. الجزء الثاني

عندما اخترع توماس أديسون الكهرباء، ظنَّ العالم أنها أفضل اختراع مرَّ على تاريخ البشرية. ويومًا ما كان أحد أباطرة الصين يتجول في منطقة مغطاة بالثلج ووقعت من يده قطعة من الفاكهة وتغطت كليًّا بالثلج، فتذوقها، وإذا به دون قصد قد اخترع الآيس كريم، وعندها ظنَّ العالم أيضًا أن الآيس كريم أفضل اختراع لدى العالم.

بغض النظر عن صحة قصة اختراع الآيس كريم، وبصرف النظر عن كون الكهرباء اكتُشِفت ولم تُخترَع، فهي نمط من أنماط الطاقة التي احتاج البشر إلى كثير من الوقت لاكتشاف وجودها في الطبيعة، وتُعدُّ قصة اكتشافها معقدة ولم تقتصر على توماس أديسون وحده.

عزيزتي سلوڤانة؛ أنتِ أفضل اختراع في هذه الحياة وفي كل حياة.

أفضل من الكهرباء وأفضل من الآيس كريم.

سلامًا على قلبك النقي الحنون الذي أفتقده كثيرًا.

إنها المرة الثانية التي أراسلك فيها، أعتذر عن تأخيري في كتابة جوابي الثاني، ولكني ها أنا أكتب إليك مجددًا.

حبيبتي العزيزة جدًّا، أتمنى أن تكوني بخير. لا توجد كلمات تكفي للتعبير عن مدى افتقادي واشتياقي لك. يمرُّ العام تلو الآخر ولم يتغيَّر شيء على الإطلاق. لم أفقد الأمل إلى الآن كأن روحك لم تغادر الجزيرة قط ولم تغادري روحي أبدًا. فما زلتُ أسكن الكوخ الصغير الذي بنيناه سويًا على الشاطئ، وفي كل غروب للشمس أتمشى على ضفاف أمواج البحر على أمل عودتك مرة أخرى، ولكنك لم تعودي.

أعلمُ أنك لم تشائي تركي وحدي هنا، أعلمُ أنكِ لم تريدي أبدًا المغادرة، وأنه لا ذنب لك في حسابات الحياة التي تُفرض بدون مقدمات علينا دومًا. ولكن يا عزيزتي، في اللغة العربية حينما يريدون إنهاء جملة يضعون نقطة ويبدؤون مرة أخرى من أول السطر. هل نضع نحن النقطة ونضع حدًّا لكل هذه الآلام والأوجاع بداخلنا؟ حدًّا للفراق ونبدأ مرة أخرى؟ بالنسبة لي، أعلمُ جيدًا أنني سأقع في حبك كل مرة من جديد.

لم أفشل في نسيانك لأنني لم أحاول نسيانك أبدًا.

هل تذكرين حين أخبرتك أن الأماكن قاتلة؟

في إحدى المرَّات التي سرت بمحاذاة الشاطئ ولم أجدك بجانبي، اكتشفتُ أن أماكن القواقع البحرية بداخل قلبي أصبحت فارغة مرة أخرى، فلقد سقطت جميعها بعد رحيلك بعيدًا، وحينها أيقنت أنني هُزمت من جديد.

لم أشأ يومًا الهزيمة، ولكن ماذا يفعل جندي جُرِّد من كل أسلحته في حرب ممتلئة بالسيوف؟

لطالما كان اللون الأزرق هو لونكِ المفضل، واليوم، والسماء زرقاء، والليل داكن، تمددتُ في منتصف الليل الأزرق هذا على حافة الشاطئ بجواري كوب من الشاي بالحليب الذي أعددته بطريقتك المفضلة، أضفت في البداية معلقة من الشاي الإنجليزي، ثم الماء الساخن إلى ثلثي الكوب، ثم أضفت قليلًا من الحليب الساخن، ولكنني لم أضف قطعًا من السكر كما تعلمين، وتربعت على رمال الشاطئ أتأمل مشهد القمر الذي تحتضنه النجوم بالرحب والدفء مع حفيف الأمواج.

لا ينقص هذه اللوحة الفنية الجميلة سوى مكوثك بجانبي، ورأسك مائل برفق على كتفي كعادتكِ يا جميلتي، وكأننا المرسومون في لوحة “moonlight over the ocean” للفنانة “Marianna Foster”، ليتكِ تعودين لتكتمل هذه اللوحة مرة أخرى.

اشتقتُ إليكِ كثيرًا جدًّا يا سُكَّرِيتي، اشتقتُ إلى شعركِ المموج، طريقتكِ المميزة في مسكك الأشياء بأطراف أصابعك، حين تنظرين إلى أعلى يمينًا ويسارًا مع ابتسامة في محاولتك خفي كسوفك، وأيضًا حين تشتكين لي من وجع في بطنك عندما أتغزل فيكِ وأقول إليكِ إنني أحبك كثيرًا، أفتقد كل تفاصيلك الساحرة، وأفتقد بالأكثر ضحكتكِ وعينيكِ العسليتين الحنونتين اللتين كانتا دومًا تنظران إليَّ وكأنني بطلٌ خارق، وكانوا أيضًا دومًا دوائي السحري الذي يشفيني من كل الأوجاع والآلام.

أتمنى أن تكوني بخير وفي أفضل حال، وألا تفقدكِ الحياة روحك الفريدة وابتسامتكِ الفاتنة.

لقد اقترب موعد عيد ميلادي الذي على ما يبدو أنني سوف أحتفل به وحيدًا في جزيرتنا دونك، آمل أن تراسليني بأي شيء، حتى لو سطرًا واحدًا تخبريني فيها أي شيء عنكِ سيعني لي الكثير.

أخيرًا، يا حلوتي سلوڤانة أريدُ أن أخبرك أنني أحببتكِ كثيرًا في الماضي، وأحببتكِ أكثر في الحاضر، وسأحبكِ أكثر وأكثر في المستقبل.

كوني دائمًا بخير.

المخلص لكي دائمًا.. سلڤادور.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة