أعيش في مساحة صغيرة مع كتبي الورقية التي تعانق مكتبتي المتواضعة شكلًا، لكنها مكتظة بما تحمل من علوم ومعارف وأغلفة مزخرفة.
لكن التراب الضيف الدائم كثيرًا ما يزور مكتبتي، ويجعلني دائمًا أحمل أدوات النظافة؛ حتى أحرر الكتب من الغزو الصامت لهذا الغبار الذي لا يشفق على شيخوختي التي بدأت تزحف على بدني، وشعري الذي أصبح بلون القطن، ويضطرني كثيرًا لتغيير لونه من الأبيض إلى الأسود؛ لأنني أكره التقدم في العمر، وعندما ألقي نظرة على المرآة أشعر بالفزع، وأتمنى ألا أكون فريسة أمراض الشيخوخة التي لا ترحم هذا الجسد النحيل الذي عانى مع صقيع الشتاء حتى يعيش مع صفحات كتاب تاريخ أو رواية من روايات نجيب محفوظ، وأنا رهين الوحدة في هذه المساحة الصغيرة، أعيش مع ما أعشق من المعرفة والثقافة.
في هذه المساحة الضيقة أقضي معظم وقتي بصحبة من أحب، وأقرأ كل ما تقع عليه عيناي، أو ما سمعت عنه من الأصدقاء ممن صنعوا الإنسانية، سواء أنالوا حظهم من التقدير أم طحنهم المعارضون؛ لأن أفكارهم تعارضت مع معتقداتهم.
وأنا أطالع الكتب أغوص بعقلي الذي يحاول أن يسترجع حقيقة ما قرأ، أو يفكر فيما طرحت الأساطير من خيال يحمل رؤية مستقبلية، أو يجسد كيف عانى أصحاب الفكر العميق من سخرية متعمدة وغير مبررة من أرباب الجهل الذين يتصيدون أي فرصة لينالوا من الأفذاذ، ويحاولون تلطيخ سيرتهم بالوحل.
ستفاجأ داخل المكتبة بروح تتحرك بثقة من داخل الكتب، وهي تسعى في ثقة، وتروي لك عن مشاعر الحب الجميلة، وكيف واجهت الأرواح الشريرة، وانتصرت عليها على الرغم من أن أهل الشر حملوا كل ما لديهم من سلاح، لكن الحقد والحسد حرقهم، وأكل صدورهم، ودمرها من الداخل؛ فكانوا أصفارًا بلا سيرة.
اقرأ أيضًا: تعرف إلى أشهر المكتبات في العالم
ما يميز مكتبتي البسيطة أنها توفر لي وقتًا ممتعًا، أغوص فيها بين صفحات الأدب، أطالع ما تقع عليه عيني. وقد فهرست كتبي فهرسة تتيح لي القراءة بانتظام؛ لأنني كنت أختار هذه الكتب بعناية فائقة، وأحرص على أن تكون الكتب متخصصة في مجالات عدّة، وليست قاصرة على مجال واحد؛ لأنني بصفتي كاتبًا يجب أن أكون ملمًّا بالمعارف المختلفة، وكذلك أميل للبحث والتحليل.
وأقول: إن القراءة في كل المجالات مهمة للغاية؛ حتى يهضم الإنسان ما يقرأ، ويخرجه برؤيته وأسلوبه، فكلما تزوَّد القارئ بمعرفة مختلفة فسوف يسبق غيره من الكُتاب الذين يحصرون عقولهم في مجال واحد. والدليل على صحة ما أقوله وجود كُتاب لهم أسلوب مميز، يجعلنا نقرأ لهم دون غيرهم؛ لأنهم جمعوا ما بين العلم والأدب، فجاءت كتاباتهم جامعة، شاملة، منطقية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.