حدَّث قطرب بن حائم أنَّ رمضان في نيجيريا جاء في وقت عصيب؛ إذ الناس مرارة عيش غير خصيب، والحياة شاقَّة، واللذة ما لها ذائقة، والحياة صعبة، والحال كُربة، والتعب يعتري، والمرء في السوق لا يستطيع يشتري، فما عرف الناس أين المفرُّ، كما لا يعرفون أين المقرُّ، وليس في البَرِّ بُرٌّ، والدهر لا يدرُّ، والشظفُ لا يسرُّ.
وقد استسلم المسلمون لأمر ربِّهم، وما جزِعوا لأجل ضربِهم، والتجويع مع مِلكِ الثروة قاصد، والتصرُّف حاسد، والسؤال سائدٌ، والخطَرُ كائد.
من وجد ما يفرح به الفقيرُ اغتنَى، ومن أكل ثلاث وجباتٍ لله انحنى، ومن لم يعبس وجهه ومن لم يُمْتَقَعْ لونُه، فإنه قد حانَ عونُه، ومن تخبط في وضَح النهار فجائع، ومن لم يرجع إلى صوابه فهو ضائع، ولكن مَن ترقص دِيدانُ بطنه، لم يرَ بنور ذهنِه، ومن وهَى من البحث، لم يستطع أي النفْثِ، ومن هُزَال بادٍ فلسانُه غير شادٍ، ومن طرقَ أبواب اللذاتِ، لم يترك أي وادٍ، فمن لهؤلاء الناس؟ حتى لا يكون لهم نصيب من الإيئاسِ.
فمن الذي يُكثِر من الرمادِ، ويأتي بكثير من الزادِ؛ لإثلاج الفؤاد؟ ومن الذي يهتدي إلى من تُقَرقِرُ أحشاؤه، وتنهدُّ أجزاؤه، ويبدو من الجوع داؤه، ويكون من الطعام له دواؤه، فينالُه من الإحسان جزاؤه. إن العيش الذي يعيشه القريب والبعيد، والقاصي والداني والمؤْوي والشريد، عيش لم يتصورْه أحدٌ، وإن قال به متنبِّئٌ لغلبه فنَدٌ، ولكن قد وقع ما لم يكن على بال، فساء ما لم يُتصَوَّر من أحوال، فانْهدَّت قِوى، كما انهارتْ قُوى، فلم يستطع الناس حيلة، كما لم يستطيعوا ميلة.
وقد جاء أصعب من الصعب، وحلَّ أبشعُ من الكَرْب، فلم ينفع الغضب، كما لا ينفع السببُ، فسكت أولو اليسار، فانجرَّ بعض إلى البوار، وسقطتِ اليدُ من السِوار. ولما بلغ الناس ذروة المجاعة، مدُّوا أكفَّ الضراعة، فأنزل المولى الحيا ليرتويَ الحيُّ، وأنزل الهدايةَ ليبتعدَ الغيُّ، فأنبتت الأرضُ ما لم تذقْه الشفاهُ، وما لم تأكلْه الأفواهُ، ولكن الحدائق تِعدُ الناسَ بالإبهاج، عند خروج الأزواج. فلما ذهبوا إلى السوق، وجدوا الربا قد ارتدى ثوبَ البَيعِ، وكاد العيشُ أن ينخرطَ في الخفوقِ، فحاولوا أن ينزعوا هذا الثوبَ؛ بعدما تجنبوا الحُوبَ، وقدموا إلى ربهم التَوبَ، فلما نبت الخير، واتضح السيرُ، لم يتفوهوا بما يخالف الفطرة، ولم يفكروا فيما يمسِك عليهم القطْرةَ، فصبروا على الاختبار، ولم يخالفوا عند الاضطرار. وبعد أن أيقنوا أنهم في كيد الاضطهاد، لم يزالوا ثابتين على الرشاد،
أرادَ الضيقُ أن يطوِي المتاعا فجاءَ اليُسْرُ يبسطُه سِــــــراعا
فما ضجِرَ الثباتُ بمـــا أرادتْ قلاقلُ تنثرُ الزلَلَ ابتـــــــــداعا
ولم تغلِبْ مكائدُ أهلِ كـــــــــيدٍ ومن تضعفْ أماني من أطاعا
أناخ العُسْرُ حينَ العيش قـــاسٍ فعاد العيشُ أليَنَ ما استطــاعا
سما الإيمانُ حين يخيـــفُ كفْرٌ وقد أبقاه إيقانٌ شُجـــــــــــاعا
يطاردُ قلبَ مَنْ قد ذاق عــــلْما ظلامٌ ليس في الدنيا شُعــــاعا
ويبطِشَ باليقينِ غشاه نــــــــورٌ لكيلا يسلك النورُ البِقــــــــاعا
ليرتابَ اليقينُ سقاه غــــــــــيثٌ لكي يبغي اليقينُ به ضيــــاعا
وقد جاء رمضان يشحذ همَمَ النيجيريين العالية، وينير فيهم العتمة المغالية، فلم يلتفتوا إلى تدابير المخافة، فلم يزالوا من أهل النظافة، ولو أنشبَ الجوعُ في بطونهم المخالبَ، فلن يعدموا في طاعاتهم الأطايبَ. فيا من قلبه بالإيمان نابضٌ، وعلى جمرة التقوى قابضٌ، أَنْشِدْ هذه المعاني:
ثوى الإيمانُ في قلبي ويلقي مصابيحَ الهدايةِ، ما أضاعا
سأبقى رغْمَ ثوراتِ المخازي فلا أُبْدي مني اتبــــــــــاعا
فإنْ ضاقتْ بيَ الدنيـــــا فإني سأجعلُ قوَّةَ العلمِ اتســـــاعا
ولستُ أبادلُ الأيامَ ضـــــعفي وإلا قُوَّتِي سَتُرِي صِــراعا
قال قطرب: ولما رُدِّدَت المعاني، واستُمِع إليها أكثر من الثواني.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.