ذكر الموت الذي يغيب عن الإنسان؛ لأنه ينشغل بالحياة والملذات، فتأكله الدنيا برحابها، ويعيش على أمل البقاء والخلود دون التفكير ولو للحظة بأن الفناء لا محال آت، وأن زوال الدنيا قريب، وأن الموت سريع يحصد أرواح كثيرين بلحظة.
ينسون حديث رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هادم اللَّذات وهو الموت».
البشر مجبولون على حب الدنيا، فهم أصدقاء معها، وعلاقتهم بها وطيدة، وينسون يوم الحساب والعقاب ولقاء الله ويوم الحشر والساعة التي سيحاسبون فيها والوقفة التي قد تطول، والرهاب الذي سيشعرون به، وسينسون أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
ليس الموت من يغيب عن الدنيا، البشر هم المغيبون عن الموت، الحقيقة المرة بالنسبة لهم، فانتهاء الآجال ليس في حساباتهم، وموت الفجأة ورحيل الأحباب يوقظهم ساعة وينيمهم ساعات وأيامًا قد تصل إلى شهور وسنين، فالغفلة أكلت عقولهم والغشاوة قد غطت على أفئدتهم، لا يدركون أن الموت لا يطلب منك إذن الخروج من الدنيا، ولن تطلب أنت إذن المغادرة من الحياة، مكره أنت على الموت، لكن الموت يعشق رحيل الأحياء.
ما نحن إلا جنازات تنتظر دورها في طابور الوداع والحمل على الأكتاف والدفن تحت التراب، والقبر بيت جديد، والموت حياة جديدة في عالم آخر.
لن ترحل إلا بكفن أبيض ودموع الأقران وربما الدعاء لك وصدقات توزع على روحك، تمر وقهوة وختمة قرآن يتلى واجتماع في ديوان العزاء ومعزون لكسب الأجر والثواب وتأدية الواجب لأهل الفقيد، ثم العودة إلى الحياة من جديد، ونسيان الميت والموت وغياب الذكر والدعاء والمشي بمحطات الحياة والركض خلف الأوهام.
الموت لا ينظر إلى مرض أصابك أو كبر في العمر أو عجز أو مصائب نزلت بك أو هموم أهلت عليك.
الكل منتظر الدور، ويعلم حقيقة الأمر، والأعمار كتبت وحددت بالساعة، بل بثانية قد تغيبك عن الحياة، فلا تعلم متى تكون ولا أين ولا السبب.
رفاتك الذي سترقد تحته في القبر، وقد ترقد على سرير المشفى قبل، والأجهزة التي ستحيط به، والأطباء حوله، صراخ وعويل وبكاء المحبين، لا أحد يشعر أنك تذوق سكرات الموت، تئن نفسك التي ستموت وروحك المعلقة ما بين الحياة والممات، تبكي، لكن لا أحد يسمع صدى صوتك، فالألم ألمك الذي لا تشعر به حتى أمك.
لا تغيّب عنك الموت، فلو غيّبته أنت، هو لن يغيب، الموت يتذكر، ولا ينسى أحدًا، ولو نسيه أبناء آدم وحواء، فالأنبياء قبلك والأسياد والأشراف رحلوا حتى لو حنطوا وأصبحوا مومياء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.