في وسط هذه المدينة المكتظة بالسكان، يوجد منزلٌ كبيرٌ يطل على الشارع العام، على جدرانه ثُبِّتت نافذة من الطراز المعاصر، ومن خلفها أُسدِل ستارٌ ذو تصميم جميل. نمت بين هذا الستار والنافذة علاقة قوية؛ فكلاهما يكمل بعضه الآخر، ولكل منهما غاية وأهمية كبيرة لهذا المنزل. لكن مع هذا، فقد تخلل شعور الوحدة قلب الستار، وتنامى هذا الشعور حتى أصبحت الكآبة منهاج حياته، قد تتساءل: ترى ما الذي أوصل الستار إلى هذه الحالة؟
يجوب بعينيه أركان هذا المنزل حتى حفظ كل أجزائه، ينظر إلى الأطفال بعين الحسرة، وهم تارةً يلعبون في الصالة وتارةً في الغرفة، وهو مُثبَّت على هذا الجدار بلا حيلة، ومن خلفه تقطن صديقته النافذة التي تظل تدندن ليل نهار وتثرثر بلا توقف؛ ما يسبب له الإزعاج.
يركض الأطفال من حوله، ومن ثم يتزاحمون من خلفه في لعبة سخيفة تسمى "لعبة الاختباء"، يشدونه بلا رحمة، وينزعون الزينة التي كانت تظهر له صورة جميلة.
يهمس في ضيق وقد أزعجته تصرفات الصغار: كم هم مزعجون هؤلاء الكتاكيت! لقد نزعوا زينتي ولوثوا قماشي النظيف بأيديهم المتسخة، وتركوني بمنظر يقشعر له الأبدان.. أخشى إن رأتني صاحبة الدار بهذا الشكل أن تنزعني وترميني في حاوية القمامة، وينتهي بي الحال في المحرقة أو كقطعة قماش بالية يجلس عليها أحد المشردين.
في الجهة الأخرى، تدندن النافذة في سعادة وهي تصف الشارع وما يحدث فيه: ما أجمل السماء الصافية، ومنظر السيارات وهي تسابق بعضها، والناس وهم في حركة مستمرة يزينون الطريق ويجعلون للشارع هيبة وروحًا. من المؤسف أنك لا ترى ما أراه كل يوم أيها الستار الكئيب، فقد فاتك الكثير من المناظر الخلابة.
-اصمتي أيتها النافذة المغرورة، ودعيني في شأني.
ردت النافذة: لا أعلم لما كل هذا الحزن والأسى! لماذا لم أرك يومًا سعيدًا؟ إنك كتلة كبيرة من المشاعر السوداوية، ابتسم للحياة لكي تبتسم لك.
رد الستار في ضجر: أنت لا تعلمين شيئًا مما أعانيه، فلو كنت تعيشين ما أعيشه ما كنت لتقولي قولك هذا، هل عشتِ يومًا شعور أن تكون نكرة، لا يبالي بك أحد، أن تكون مجرد قطعة معلقة على جدار لا نفع منك؟ هل عشتِ يومًا شعور الخوف من أن يتم استبدالك في أي لحظة ويتم رميك في الزبالة؟ هل ذقتِ يومًا شعور الذل والمهانة وأنتِ يتم شدك، وتقطيع جزءٍ منك، ومسح الأيادي المتسخة في ثناياك؟
ردت النافذة قائلة: آه، يبدو أن ما تحمله في جعبتك الكثير أيها الستار. لكن انظر إلى الجانب المشرق من حياتك، فالحياة ليست كلها سوداوية؛ منها الجميل ومنها الرديء. إذا نظرت من منظور آخر، فستجد أن لديك قيمة عظيمة أنت تجهلها، فأنت الستار الذي ستر هذه العائلة وكل عيوبها من أعين الفضوليين، وأنت الستار الذي زين أركان المنزل بصورته البهية وشكله البديع. لو لم يكن لوجودك أهمية، ما كنت لتكون هنا بالأساس.
منذ أن أُنشئت وثُبِّتُ على جدار هذا المنزل، شهدت الكثير من المواقف والأحداث التي تحدث في أرجاء الشوارع؛ منها ما يسر الخاطر، ومنها المؤسف. ولقد كنت صامدة أمام التقلبات الجوية، وكنت كالدرع الحصين أحمي سكان هذا الدار من برد الشتاء وأعاصير الخريف، ومن الغبار والأمطار، ومن لسعات شمس الصيف الحارقة. ولقد تعلمت في هذه المدّة الطويلة كثيرًا من الأشياء التي زادتني خبرة وقوة؛ منها أن لكل كيان ميزة، وأن لوجوده غاية فريدة، فدع عنك اليأس والتشاؤم أيها الستار، وانظر بعين الإيجابية، ترى لحياتك قيمة عظيمة.
احسنتى السرد ياعزيزتى
حقا كلماتك جميلة ومؤثرة ❤🌷
أحسن الله إليك يا غالية 💜
مرورك أجمل🌹
كلمات جميلة وصادقة
شكرًا لك، طيب الله خاطرك🌹🌹
احسنتي
أحسن الله إليك، شكرًا لك على ردك الطيب🌹
استرسال يليق بتلك الأبجديات التي تكتب بها أنامل صاحبة أروع الأقلام... حقيقي أحسنتِ.
مرورك أجمل؟ كلامتك أثلجت صدري🌹🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.