خاطرة "مشاعر الحزن".. خواطر وجدانية

يقولون إن الحزن هو محبرةُ الكاتب، فيبدع في تحريك مشاعر قارئه وتقليبها كيف شاء، وإن العين الحزينة هي دلالة على القلب النظيف. عبارات جميلة تظهر ماهية الحزن، تظهر مدى روعة هذا الشعور، لكن اسمح لي أن أعكس لك أيها القارئ، صورًا أخرى، وأُبيِّن لك الجانب المظلم الذي يختبئ خلف هذا الستار المزيف.

قد لا تكون هذه الحقيقة التي نحن بصدد الحديث عنها غائبة عنك، بل قد تكاد تعرفها أكثر مني، وتعايشت معها حتى ألفتها. ومع ذلك، ما زال لدي إصرار على استكمال الحديث عنها. فتعالَ معي نخوض ونبحث عن مدلول هذا المصطلح الدارج بين جميع المجتمعات، وكافة الجنسيات، واللهجات، وكل اللغات التي في العالم.

هو ذلك الألم الذي ينخر قلب كل كائن حي، لكن تأثيره على بني البشر أعمق، وأكثر وجعًا، يلوذ بصاحبه نحو عالم مظلم وغَفِر، لا تظهر فيه روح الحياة. فقد أصبح جسدًا خاويًا يمشي بين الناس بلا هوادة، لا هو يعلم معنى لحياته، ولا من حوله يدركون الظلام الذي يكتسي قلبه خلف هذا الجسد القوي. ولا أحد ينتبه لتلك الرعشة في حبال صوته التي تهتز كلما نطق فمه، ذلك الضعف الذي يتملكه على الرغم من ادعائه القوة. أعلم، يا عزيزي، أن ما أقوله لا يخفى عليك، بل قد تكون أنت صاحب هذه القصة وبطل الحكاية.

"لا تحزن" هذه الجملة التي تنفي، بل تأمر بعدم ترك هذا الإحساس يتملك قلبك الصغير. هذا المصطلح الذي زُيِّنَت به الكثير من أغلفة كتب التنمية، وكُتِبَت عنه أشهر أطباء الطب النفسي. بل وأعظم من ذلك، فقد أوضحت آيات من ذكر الله الحكيم بصيغة الأمر، مبينًا لعباده ألّا يحزنوا، كما في قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40).

تمر علينا أوقات نشعر فيها بأن جميع الأبواب مؤصدة، وقد نصاب بالوحدة على الرغْم ما يحيط بنا غَفْر من الناس. وتفقد الحياة ملامحها البهية، فتصبح باهتة وزابلة.

الحزن هو ألم يصف شعور الأسى عن الأحداث التي تجري دون حول منا ولا قوة، فنندفع مع تيار الحياة تاركين لها زمام أمرنا، سائرين نحو وجهة مجهولة.. الحزن مرض فتاك يهلك الجسد، هو سم قاتل، وعدو خفي لا يُؤمن جواره، له مرارة تأكل الفؤاد كما يأكل الصدأ الحديد.. هو مرض من أمراض القلب، وكما أن لكل داء دواء، فلا بد أيضًا أن نجد لأفئدتنا ما يمحو أثر هذا الداء، وما يمسح على غشائه بكل رأفة، فيزيل عنه هذا السواد.

يقول الله في محكم تنزيله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ...} مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم عندما تأذى من سخرية المشركين له، وضاق صدره تعبيرًا عن الحزن، وقد جاء الفرج الإلهي، والعلاج لهذا المرض المعضل، حينما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.

فسبح، واذكر الله، فإن الذكر دواء لكل داء، وشفاء لما في الصدور.

أعلمُ أنه قد ضاق بك الحال، وسُدَّت الطرق من كل جانب، يا من فقدت عزيزًا، وقد أخذ الموت أحبَّاءك، وتركوك وحيدًا تتخبط في دهاليز الحياة كمن يتخبطه الشيطان من المس.

يا من ملأ فؤاده الهم، وهدَّ الأسى كيانه، فلا هو قادر على المضي قدمًا، ولا هو قادر على أن يرجع أدراجه، يظل واقفًا في المنتصف هكذا، تائهًا، مشتت الذهن لا يعلم للنجاة سبيلًا.

يا من أهلكه المرض وفتك به الألم، وضاقت به الأرض بما رحبت، كم أنت قوي وشجاع تتحمل كل هذه النكبات.

يا من فقدت الأموال وعشت فقيرًا، أقصى طموحك لقمة تسد بها جوعك، وشربةً هنية تبل بها ريقك.

إلى كل هؤلاء، وكل من ذاق مرارة الحزن، صبرًا، فحلاوة الفرج باتت قريبة، فلا تحزن، إن الله لن يضيعك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

كم هى جميلة ورائعة كلماتك
نعم أن بعد العسر تيسير وفرجا قريب
❤🌹🌹🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرًا لكِ هذا من ذوقك الرفيع❤
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرًا هذا من ذوقك الرفيع
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة