كان أحد الزملاء كثير التأخر في الوصول إلى مقر العمل، فلا يكاد يمر أسبوع دون ألا يتأخر، قررت الإدارة أنْ تعطيه إنذارًا بعد أنْ زاد الأمر عن حده، استلم بريدًا إلكترونيًّا يتضمن تحذيرًا شديد اللهجة لتكرار التأخير، وأبلغناه أنَّ هذا البريد يعد الإنذار الأخير، ثمَّ سيفصل من العمل، كانت مشاعره بعد تلقيه البريد ممتزجة بين الحزن على وضعه والخوف من فقدانه الوظيفة.
وفي ذلك اليوم رأيته على غير عادته فسألته عن السبب فأخبرني عن قصة الإنذار، وأنها فرصته الأخيرة وإلا سيفقد وظيفته، كان في ورطة حقيقية، ويبدو أنه لم يجد حلًّا لذلك، وبعد أن سألني عن سبيل لحل هذه المشكلة أجبته بسؤال:
- كم من الوقت تستغرقه لقطع المسافة بين منزلك ومقر العمل؟
فأجاب وكأنه يستغرب سؤالي:
- خمس عشرة دقيقة.
سألته:
- متى تستيقظ؟
فرد قائلًا:
- قبل موعد الدوام بنصف ساعة.
فسألته:
- وهل تعتقد أن ثلاثين دقيقة كافيةٌ للاستعداد للذهاب إلى العمل إضافة إلى مسافة الطريق؟
نظر إليَّ كأنه وضع يده على بداية الحل ثم قال:
- أحيانًا.
فقلت له:
- هذا يعني أنها تكفي في بعض الأيام، ولا تكفي في أيام أخرى بناء على ازدحام الطريق.
- إذن، فما الحل؟
رد عليَّ متسائلًا
- الحل بكل بساطة يا صديقي أن تخرج من منزلك قبل موعد خروجك بعشر دقائق فقط، وهذا يعني أن تستيقظ أبكر من المعتاد بعشر دقائق، صدقني تلك الدقائق المعدودة ستصنع فارقًا كبيرًا.
- لا بأس، سأحاول...
رد عليَّ مترددًا...
وتمرُّ الأيام ويتغير حال زميلي، بل إنه في بعض الأيام كان يصل إلى مقر العمل قبل الجميع، وبطبيعة الحال انعكس هذا على أدائه، وفي نهاية العام كرموه موظفًا مثاليًا، وكان فعلًا يستحق ذلك بعد أنْ كان مهددًا بالفصل.
بلا شك إنَّ ما حدث مع زميلي يعلمنا أنَّنَا إذا أردنا أن نحل مشكلة ما سواء في حياتنا اليومية أم العملية فإننا لا بد أن نفكر بحلول جذرية، ونترك عادة الحلول المؤقتة أو كما أسميها ترقيعًا، لأنَّ الحلول المؤقتة (مسكنات) لا تحل المشكلة، هي فقط تؤجل الحل، وغالبًا ما نلجأ إلى الحلول المؤقتة بعدها خيارًا أول لنا؛ لأنها أسهل وأقل تكلفة، لكنْ في الواقع مع مرور الأيام وعلى المدى البعيد ستكون تكلفة حلها جذريًا باهظًا جدًا.
قد يكون حل المشكلة الجذري سهلًا ومتاحًا وموجودًا أمامنا، لكنَّنَا لسبب أو لآخر لا نلتفت إليه أو نعتقد أنه غير مُجدٍ، فنذهب إلى حلول أخرى غير مجدية.
فكم من تحديات ومشكلات أثقلنا بها كواهلنا وحملناها معنا سنوات من حياتنا؛ لأنَّنَا لم نعالجها من جذورها، لكننا استخدمنا وسائل هي في نظرنا الحل، لكنها في الواقع كانت مجرد (مسكنات).
سبتمبر 8, 2023, 5:33 م
كعادتك ا. محمد مقالات وكلمات تصب في عمق الأحداث. ممتنة .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.