خاطرة "محاولة استرداد النفس".. خواطر وجدانية

عندما لا تجدني لا تبحث عني؛ لأنني في تلك الحالة أحتاج إلى نفسي وأن أعيش وحيدًا أراجع كل دفاتري، وهذا حقٌ مشروع لي، فالإنسان منا في كل زمن من الأزمان يحتاج إلى أن ينفرد بذاته ويحاسبها ويخرج من هذه المرحلة بنتائج جديدة وأصدقاء جدد؛ لأن في بعض الأوقات يحدث ركود داخل النفس التي ترى أنها تستحق أن تقفز قفزات مع عجلة الزمن وتسبق عجلة الزمن إذا كان هذا ممكنًا، ويغيِّر الإنسان من السمات غير المتوافقة مع إيقاع الحياة.

الحضارات التي نامت واعترفت بأنها سادت، كلها أصابها الضعف وبعضها انهار وتوارى وبعض آخر تفكك؛ لأنها لم تحاسب نفسها ولم تأخذ الوقت الكافي في مراجعة الحسابات، وبذلك تعاني أنها تفتح الدفاتر القديمة وتبكي على أنها قدمت نفسها للعالم في أفضل صورة، وأن العالم لم يردّ لها الجميل عندما خرج من كبوته وأصبح في مرحلة من التفوق.

وهي ليست على حق في ذلك، ما دام عندها الأساسيات والمقومات، كان يجب عليها ألا تضيع الوقت وتحاسب الآخرين على تركها وحيدة تعاني تعنُّت الزمن معها. يجب أن تستنهض الهمم وتقف خلف من يريد لها العودة وتفسح المجال لرجال الفكر الشرفاء حتى يعيدوا إضاءة المصابيح التي في مرحلة من مراحل الإهمال سواء عن عمد أو عن تراخٍ وتكاسل، أو انبهار بأنها ستظل محفوظة المقام ولن يلحقها أحد أبدًا، وهذا الاعتقاد الخاطئ جعلها في الخلف.

وأنا أرى نفسي نموذجًا مصغرًا من حضارة من الحضارات، أحاول دائمًا أن أستفيق وأرتب نفسي دائمًا من الداخل حتى لا أعاني ضربات الزمان وأعدّ نفسي ضحية لغدر الزمان. دائمًا ما أحاسب نفسي وأسجل في أوراقي ما قدَّمت ومن هم الذين يمكن الاعتماد عليهم ومصاحبتهم، ومن هم الذين يجب أن أهجرهم لأنهم كانوا عبئًا على حياتي، بل إنهم يؤدون دور السوس داخل الخشب، ودائمًا ما يسفِّهون أحلامي وينتقصون من قدراتي، وكلما فكرت في فكرة إيجابية حذروني من العواقب التي يمكن أن تحدث إذا أقدمت على تنفيذها.

إن التقدُّم مغامرة حلوة، لكنه لا يتحقق إلا لمن آمن بفكرة ودرس أبعادها وأمسك خيوطها من طرف واحد وظل يمسك الخيط حتى حقق هدفًا من أهدافه، ولم يهدأ حتى يمسك نتاج هذا الهدف.

ولا يمكن لأحد أن يجعله يتراجع ويطالبه بالاستمتاع بالهدوء والسكينة؛ لأن الحضارات التي مالت إلى المتعة والسكينة أنفقت كل ما جمعته من نتاج النجاح حتى لحقت بها الحضارات المتوثبة وتفوقت عليها بمراحل. هكذا تكون نهاية نجاح الإنسان عندما يرى أنه حقق كل أحلامه، وبذلك تتخلى عنه الدنيا ويتخلى عنه كل شيء.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة