خاطرة "متى تحزن على عمرك؟".. خواطر وجدانية

نعيش مشاعر متناقضة ما بين ذاكرة حزينة على عامٍ مضى قد يكون حصاده سرابًا وضبابًا يخفف من ويلات رؤيتنا الكاملة أيام عامنا المنقرض الهالكة في الصراع مع طواحين الهواء؛ وما بين أحلام كهولة نحاول انتشالها بما تبقَّى من رماد الأمل والتمني بحصاد أوفر من محفزات السعادة في عامنا الجديد الوليد؛ فنحتفل بأعياد ميلادنا بتعليق بالونات السعادة قصيرة الأجل في أحبال حلبة صراعنا مع الأيام لإثبات الوجود قبل العدم؛ ونحمد الله على نعمة الحياة بصحة جيدة في هذه اللحظة الفاصلة بين عام تجمَّد في اللوح المحفوظ ونسائم فجر عامٍ نحمله بكل أحلامنا البائسة المعلقة العابرة لسنوات العمر دون تحقق، لعله يستطيع بمشيئة الله إنبات بعضها قبل أن يقضي الله أجلًا كان مفعولًا.

تدفعنا مشاعرنا المتناقضة الحائرة بين الحزن والفرح في اليوم الفارق بين عامٍ هلك في عشية وضحاها وعامٍ يولد نرجو الله ألا يمر مثل سابقيه دون حصاد يرضي أدنى طموحاتنا، لنسأل أنفسنا كل عام نفس السؤال.. هل نحزن على عمرنا المنقضي أم نفرح بما آتانا ربنا فيه من خير وشر؟ ولماذا ومتى يجب أن نحزن؟ وما أسباب الفرح التي لم نتأملها وربما لا نستشعرها ويجب علينا الانتباه لها وغرسها في صحراء العام الجديد الوليد، لعلها تنبت غصنًا للسعادة؟

في الحقيقة، نعيش العمر أسرى لأحلامنا المعلقة التي تحجب عن قلوبنا رؤية مفاتيح الفرح والسعادة التي وهبها لنا الله ولا نراها بفساد انغماسنا المفرط في دوائر صراعات الحياة، فقد تكون غالبية الهموم التي تنسج خيوط الحزن العنكبوتية حول أرواحنا هي أهم مفاتيح ما وراء السعادة التي لا نألف الفرح بها، والكامنة في اختيار الله لنا على عكس ما نشتهيه ونبتغيه من سعينا المحموم لتحقيق الطموحات العملية والمادية والعاطفية والاجتماعية.

فقد نحزن طويلًا على إخفاقاتنا العابرة للعمر والمهدرة مع السنين، ثم نكتشف بعد حين أن النتائج التي أحزنتنا كانت سببًا أساسيًّا في منح ربانية كانت مكتوبة في علم الغيب لنا بأفضل مما تمنينا، ولكننا دائمًا ما نتعجل حصاد ما نشتهيه، وقد نكتشف أيضًا بعد حين أن ما طال حزننا على خسرانه كان وراءه شرٌّ عظيم وخسران أكبر يعلمه الله ولا نعلمه، وقد نجانا الله منه بحسن سرائرنا وصدقنا مع الله والناس.

وقد عبَّر عن هذا المعنى الفيلسوف الأديب جبران خليل جبران في مقولته الشهيرة: "حين يستخفك الفرح، ارجع إلى أعماق قلبك فترى أنك في الحقيقة تفرح بما كان يومًا مصدر حزنك. وحين يغمرك الحزن، تأمل قلبك من جديد فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يومًا مصدر بهجتك".

إذًا متى نحزن على عمرنا المتسرب في ظلام الأيام؟ الإجابة ببساطة:

احزن، ويجب أن تراجع نفسك وتحزن وتندم، ثم تصلح من حالك لتغنم، عندما تراجع أيام عمرك المنقضي فتجد أن أبرز ما حققته من نجاح تمنيته كان وراءه نفاق لمن تحتقره، وإهانة لنفسك وكرامتك رضيتها طمعًا في رضائه للفوز بما لديه من مغنم، متناسيًا أن ما عند الله أعلى وأعظم.

احزن على عمرك عندما تجد أنك فرطت كثيرًا وأسرفت في التدليس والكذب والكيد للغير للإطاحة بهم من طريقك والفوز بما لا تستحق، احزن واعقد العزم على تعديل المسار إذا وجدت قلبك معلقًا بزينة الحياة الدنيا من مال وبنين للدرجة التي تدفعك لارتكاب الموبقات للحفاظ على ما لديك وإرضاء من تعصي الله من أجل إرضائهم.

احزن على عمرك حتى لو لم ترتكب أيًّا من هذه الخطايا... لماذا؟ لأن الحزن على ما فات هو ضميرك الحي لما هو آت، فلو شعرت بالرضا عن نفسك وأعمالك لضَللت، ولو اطمأننت إلى أنك قد أديت ما عليك من حق الشكر والطاعة لله فاعلم أنه قد خُتم على قلبك وجُعل على بصرك غشاوة.

فلو كتب الله لك صلاح الحال لحزنت على عمرك قبل أن يحزن الآخرون عليه بعد انقضائه، فاللهم اجعلني دائمًا ممن يحزنون على ما فاتهم ليصلحوا من حالهم، واللهم اجعل حزني وقودًا وزادًا للتقوى والرضى بما قسمت، واليقين بأن ما عندك خير وأبقى.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة