مشهد نراه كثيرًا في مجتمعات نسميها المجتمعات المتقدمة، نرى في الفيديوهات المنتشرة والصور التي ننظر إليها، بل نرى في السائحين الذين يأتون إلى بلادنا هذه المشهد، سواء رجل أو سيدة.
شخص يحمل معه في حقيبته أو في يده كتابًا، ويبدأ في قراءته في الوقت الضائع: انتظار وسيلة المواصلات، أو في وسيلة المواصلات نفسها، في انتظار دور في عيادة، إلخ.
نستعجب لماذا هذا الشغف العجيب بالكتاب، لما يحب هؤلاء القوم القراءة إلى هذا الحد، قد نقف ونتهكم على هذه الطريقة العجيبة ونقول أنهم يريدون أن يستعرضوا أمامنا أنهم مثقفون أو أنهم يريدون أن يعرفونا أننا جهلة.
الجهل الحقيقي ليس في عدم دخول مدرسة أو التعليم، بل الجهل الحقيقي هو الجهل بالثقافة والمعرفة.
كثيرون من الخبراء حاليًا يقولون أن الحروب تطورت من مجرد أسلحة بيضاء وسيوف إلى أسلحة بنادق وطائرات إلى أسلحة صواريخ وقنابل ذرية وهيدوجينية ونووية، إلى حرب فضاء، إلى حرب المعلومات..
كيف أعطيك معلومة تأخذها على محمل معين فتذهب بك إلى ذات اليمين، وتأخذ نفس المعلومة بتغيير بسيط فتذهب بك إلى أقصى اليسار.
المعلومة والثقافة هي أسلوب حياة لجيل كبير من المثقفين الذين استطاعوا أن يكونوا قادة الفكر والمعرفة في المجتمعات.
إنني أتذكر جيدًا السيد الراحل بطرس بطرس غالي الذي كان سكرتير سابقًا للأمم المتحدة، في لقاء تلفزيوني له تم سؤاله هذا السؤال: ماذا تعمل حينما تركب سيارتك؟ فأجاب: أنني دائمًا ما أضع في سيارتي كتاب.
ففاجأ هذه الإجابة المذيعة فهو في هذا السن المتقدم جدًا وما زال يضع كتاب في سيارته، تحت متناول يده، بل أنه أكمل هكذا: أنني دائمًا أتعلم ودائمًا استزيد من التعلم، أحس دائمًا أني ما زلت لا أعرف شيئًا.
دعنا نقف هنا أمام هذه الرجل، هذا الرجل الذي وصل إلى قمة أعظم مؤسسة في العالم وهي هيئة الأمم المتحدة، وحمل في بلده درجة وزير للخارجية، فإذا هذا الرجل له من المعرفة والعلم الكثير ولكنه ما زال ينظر إلى نفسه على أنه لا يعرف شيئًا بعد.
مثال آخر نقف أمامه ذكره الأستاذ عمرو العادلي: في الولايات المتحدة الأمريكية هناك مؤسسة تسمى "مؤسسة القراءة في الحمام" فهذه المؤسسة وجدت أن بعض من الأفراد يضيعون وقتهم في الحمام بشكل كبير، وأنهم لديهم الوقت الكثير داخل الحمام ولا يريدون أن يكون هذا الوقت مهدرًا، فقاموا بتطوير كتب حتى تتناسب مع الدخول إلى الحمام، حتى يتسنى للفرد أن يكون لديه المعرفة والعلم حتى داخل الحمام الذي يملك الوقت بداخله.
فلنتعلم ونجعل الثقافة عادة لدينا، فالوقت نحن نملكه ونملكه بكثرة، فهيا لنجعل الثقافة والقراءة أسلوب في حياتنا ولنجعل من الكتاب عنصر أساسي في يومنا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.