قد نصادف في حياتنا أناسًا ونجد أنفسنا في دهشة وحيرة بل وفي غرابة من سلوكياتهم وأفعالهم التي تفتقر إلى الحكمة رغم مرور السنوات الطويلة بهم، بل وينطبق عليهم المثل القائل «مَن شبَّ على شيء شاب عليه».
وعلى الرغم من ذلك المثل لكن لكل قاعدة استثناء، فالإنسان الذي يريد تغيير نفسه وأفعاله وسلوكياته، يستطيع ذلك ما دامت لديه إرادة التغيير، شريطة مواجهة نفسه بأخطائها وعيوبها.
وهنا تبدأ نقطة الإصلاح، عند التخلص من التعالي والكبر اللذين يمنعانه من مواجهة نفسه.
والمحزن أنه توجد فئة من الناس لا تواجه نفسها ولا تعترف بأخطائها ولا ترى عيوبها، وحينما تقترب منها تجدها تفتقر إلى أغلب القيم والمبادئ رغم تظاهرها بالإيمان ببعض القيم التي يرتكز عليها السواد الأعظم من الأسوياء في تعاملاتهم الحياتية.
فهي حالة لا تعي المعاني والمفاهيم الجميلة للسلام النفسي، ومهما حاولت جاهدًا إصلاح مفاهيمها الخاطئة التي تنعكس عليها بالسلب في معاملاتها الحياتية فلن تستمع إليك.
فهي دائمًا ما تعيش في علاقة أشبه بالصراع الداخلي مع نفسها نتيجة لفقر عقلها للثقافة الذاتية التي تنظم علاقاتها مع الآخرين وتُكسبها القبول والاحترام لديهم.
لكنها بكل أسف تسرف في الإعلاء من نفسها وتبالغ في تعظيم الذات وتُغالي في طلب المزيد، ما يجعلها تعيش المقارنة الدائمة بينها وبين الآخرين؛ لأنها ترى في نفسها الأفضلية رغم أنها تفتقد معاييرها.
ومن ثم تجد حياتها خالية دائمًا من الرضا وتجدها تعاني الأزمات والمشكلات، فهي دائمة النظر والتطلع إلى ما في أيدي الآخرين.
وفي الوقت ذاته هي غير معنية بهم؛ لأن «الأنا» لديها طاغية، فتجد نفسها منبوذة وغير مقبولة في أي وسط توجد فيه؛ لأنها تعيش بصفاتها المذمومة دون أن تتعلم من دروس الحياة السابقة وتجاربها التي مرت بها خلال مراحل الحياة.
وحينئذٍ نعود ونذكر دائمًا وأبدًا الاهتمام بالتنشئة الصحية والسليمة لأبنائنا، بغرس مفاهيم القناعة والرضا وعدم التطلع إلى حياة الآخرين؛ لأن ما يُغرس في عقولنا من الصغر يظل ملازمًا لنا طوال حياتنا، ثم نكمله بالثقافة والعلم والتعلم.
فنحن نعيش ونتعامل مع بعضنا بما تربينا عليه وبما تعلمناه وبما احتوته عقولنا من ثقافة ومعرفة، وكل هذا يُشكِّل وجداننا ويحدد لنا نسبة القبول والرفض والتقدير لدى الآخرين بمعاملتنا معهم وعلاقتنا بهم.
فثقافة الجهل وغطرسة النفس والتربية غير السوية وانعدام السلام النفسي إلى غير ذلك من تلك الصفات المذمومة كفيلة بأن تخلق حاجزًا نفسيًّا بينك وبين الآخرين.
فإن تعاملاتك وأسلوبك وتعبيرك والطريقة التي تتحدث بها ومدى فهمك للآخرين كل هذا أنت من تحدد به لنفسك درجة ذكائك أو غبائك الاجتماعي، من إقحام نفسك في مشكلات أنت في غنًى عنها أو كنت تستطيع تجنبها بحسابات المكسب والخسارة، أو الاستمرار في نهجك كما أنت واستكمال السير في طريق الخسارة.
وأخيرًا، ليس انتقاصًا من أنفسنا أن نعترف بأخطائنا، ولكن الانتقاص الحقيقي أن نرى أخطاءنا ونُكابر في الاعتراف بها؛ لأن بداية الإصلاح هي مصارحة النفس ومواجهتها، وإن أسوأ الناس شقاءً هو مَن عاش يُقارن بين نفسه والآخرين؛ فالنتيجة أنه في النهاية سوف يخسر نفسه ويخسر الآخرين.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.