الكتابة بلسم ووجع في آنٍ واحد، مخاض عسير أفرج فيه عن أفكاري، هواجسي، آلامي، وآمالي... الكتابة أسلوب حياة، ضماد للجراح، ومجداف للخلاص، أكتبُ لأحيا وأتنفس حتى يتسلل الحزن مني دفعة واحدة، يواسيني الإدمان على الحرف، ويخفف عني وطأة الأسى، فأنا أعدّ الكتابة مضادًا حيويًّا ضد الاكتئاب، فهي غذاء للروح، ولذة للعقل، أهرعُ إليها لتخفيف ثقل الزمن على أفئدتنا، وتمرير رسالة لا تسمح لنفسها أن تذهب عبثًا.
أكتبُ للحاضر والمستقبل وأستأنسُ بالماضي، أكتبُ لأني أشعرُ دائمًا أن شخصًا ما بحاجة لكتاباتي... أكتبُ لكيلا أموت كتمانًا، أكتبُ لأنها النافذة الوحيدة المشرعة أمامي للتعبير عن أحلامي.. أكتبُ من أجل ذاك الحلم، وتلك الأمنية...
كلما انقدحت في ذهني فكرة دون سابق إنذار، التقطها فورًا، وأمسكُ بتلابيبها، وأشدُ وثاقها قبل أن تفر، أقلبها على أوجه، متأملاً إياها، باحثًا عما يعضدها، متبينًا قيمتها وجدواها، ثم اشحذ عزيمتي، وأعمل على صياغتها كي تكون أثرًا جميلاً.
لا أنكر أنني أحيانًا أبحرُ بخيالي وبالمفردات مطلقًا العنان لشجني، أغمض عيناي، واجعل قلبي يملي، وأصابعي تتحرك، لتفيض قريحتي إبداعًا يسعد الناس وينفس عن كربهم...
عندما أكتبُ، فأنا لست جريحًا لمحبوبة تركتني على قارعة الطريق ثم رحلت أو مناضلاً أصيب بالخذلان من رفاق الدرب، أو شاردًا إمعة يبحث عن موطئ قدم... بل بداخلي ضجة أفكار يترجمها قلمي على هيئة كلمات لا أكثر...
مصدر إلهامي بعض من تجاربي، ورواية لأحداث عاشها أهل زماني، وتوارد خواطر مرت بي، فالأفكار أصوات تهمس بداخلنا، تحتاج إلى من يلتقط صداها، ومن ينتشلها بفطنة الكاتب، المبدع، القارئ النهم؛ لأن الكاتب المتميز - في نظري- هو القارئ الجيد. لذا إذا كانت الكتابة موهبة، جهادًا ومثابرة، فإن القراءة طوق نجاة، وذاكرة الإنسانية الحية، هي ضرورة ملحة بالنسبة للكاتب، فهي ذخيرة العقل وكنز المعرفة، من تسلح بها ساد وغنم وانتصر، ومن أغفلها هان وضعف وافتقر، فعندما تقرأ الكثير، تتسع مداركك، ويغنى معجمك، ويهذب خلقك، ويرتفع مقامك، وتحين لحظة الإبداع، حين تختمر الأفكار وتنضج، آنذاك، ستعرف كيف تكتب ؟ ومتى تكتب؟ وماذا ستكتب؟ فهيَّا ننكب على القراءة لنتذوق لذتها، ونقطف ثمارها، ويظهر أثرها فيما نكتب..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.