عندما تُقتطف الوردة فهي لا تعلم أين تذهب، ما تعلمه فقط هو حزنها على فراق مكانها، وفراق أصدقائها الذين نشأت بينهم، لكنها لا تعلم أن القدر قد اختارها من بينهم لتكون أجمل ما يُهدى، وأبلغ مما يُحكى، لتلامس أياديَ ناعمة، وتداعب أنوفًا راقية، لتُسعد قلوبًا محبة، وأفئدة صافية، لتثلج صدورًا حامية، وتهدي عقولًا هائمة، لتكون ألطف من الكلمة.
لو علمت هذه الوردة ما ينتظرها من ذلك الحب وتلك القيمة التي تطغى عليها، لأرادت لو تُقتطف كلَّ يوم ألف مرة.
أتعلم أيها الحبيب؟ إنَّ الحُبَّ كان في ضبطه عبرة للعاشقين، ما يفيد معنى وشكلًا ومضمونًا، وإليك تفصيل ذلك:
إنَّ الحُب أوله ضمٌّ، والضم احتواء ودفءٌ، فكلا الطرفين يحتويان بعضهما بعضًا، كثيرًا ما يشعر العاشق بفراغ الصدر وجفاء الفراش؛ ما يحوجه أكثر إلى ما يملأ فراغه ويسد خلاءه، فكان الضم أنسب لذلك.
يلي الضم تشديدٌ (الحبُّ) ما يعني الضم ثم الضم بشدة حتى يدوم أكثر مدة ممكنة من الوقت، والتشديد في اللغة يتكون من حرفين، أحدهما ساكن ضعيف، والآخر متحرك ينفث صدره نارًا، وهو حال العاشقين، فالأنثى يناسبها السكون والضعف، فهي مسكن الرجل، مصداقًا لقوله تعالى: {...أزواجًا لتسكنوا إليها...}، أما الرجل فيناسبه الحركة غدوًا ورواحًا بحثًا عن مسكنه.
الحب كما المياه تمر بين السيقان، وتنزل على الأوراق، وتعلو خلال الجذوع، فإن قَلَّتْ مَرِضَ النبات، وإن زادت اصفرَّ، وإن جفت مات، عجيبة هي المياه في أحوالها أرواح النبات، إن شاءت عذَّبته وإن شاءت أينعته، هي واحدة وهو مختلف ومتنوع، هي أنثى وهو ذكر، وعلى الرغم من ذلك أثرها واضح وضربتها له موجعة، ولا يستطيع الابتعاد عنها، ضعيف هو ذلك المسكين، يحبها بل يعشقها ويتمنى دائمًا رؤيتها، وهي تتثاقل عليه حتى تكتوي ثماره وتتيبس أغصانه ليكون لقاؤهما حارًّا.
أترى لو أن أحدهم كان شاردًا تائها في قطب جليدي! أترى لو سكن كهفًا من الثلج مكونًا من أربع غرف، كل غرفة لها وظيفة حياتية خاصة بها، ولها اسم خاص بها، سيكون كهفًا دافئًا لونه أبيض ناصع البياض، لو أصدرت صوتًا لتردد لبضع دقائق، فضلًا على حماية صاحبه من قرص البرد، هكذا هو قلبها، أشبه بمأوى يحمي كل من يلوذ به من مصائب الدنيا وهموم الزمان، غرفه أربعة ليحوي بداخله كثيرًا من تقلباته، دافئ من حنينه، أبيض من صفائه، مملوء بالحب والود والطمأنينة والهدوء، فسلام على قلبٍ محبٍّ صادقٍ، قلب حوَّل الذعر إلى هدوء.. والفزع إلى رضا.. حوَّل الخوف إلى طمأنينة.
قارئي العزيز لا تقع في تلك الدائرة؛ دائرة الحب، فهي بحر لا ساحل له، الذاهب إليه مفقود، والآيب منه مقتول، وإن كان لا بد فكن بطلًا، واصنع هنالك حربًا، فلا نصيب للجبناء.
تحفةة❤️❤️❤️❤️❤️
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.