خاطرة "لغة الأشجار".. خواطر وجدانية

حين يهبُّ النسيم على الأوراق الخضراء، ويعزف سيمفونية رائعة وبعد ذلك تهتزُّ الأوراق طربًا.. أنا في حالة مزاجية جيدة، وهذه الحالة بالتأكيد ستجعلني متحمسًا للحياة ومستعدًا للتعامل مع كل صور الجمال الممثلة في الحدائق، وشقشقة العصافير وهي تزقزق بصوت رتيب معلنةً عن الطقس الجميل الذي نشتاق إليه، ونهرب إلى الحدائق بعيدًا عن الصخب الذي يصاحب كل يوم بعد صلاة الفجر، حيث يبدأ الجميع بالاستعداد ليوم جديد من العمل الشاق.

الكل يحمل حقائب التفاؤل لعلَّه يفلح في يومه، والطيور تلجأ إلى الأشجار؛ حتى تحصل على قسط من الراحة بعد رحلة من البحث عن بعض الحبوب التي ألقت بها الرياح على الأرض، وهي بالبحث الغريزي لا تجور على الزرع إلا بالقدر الذي يشبعها.

وأنا أتابع تحرُّكها بفضول ملحوظ، حتى خيل لي أنها بدأت تفهمني وتعلم أنني أدرس تحرُّكاتها بعناية، وبذلك أصبحت تُجيد التحرك حتى تلفت نظري بأنها في المهارة والموهبة لا تقل عن البشر، بل تتخطاهم في الجهد والعرق؛ حتى لا تكون عالة على الحياة، وأن مشاعرها صافية خالية من الأحقاد تنصب مهمتها على ما يوفر لها قوت يومها، ولا تختزن الطعام بخلًا وحرمانًا للآخرين، بل بالقدر الذي يجعلها تحيا فقط.

كل هذا وأنا موجود وأُعِدُ أوراقي حتى أتعلم وأعلم منها، حتى كنت أتخيل زقزقتها أشبه بصلوات ترتلها أو تعبر أن الحياة ما زالت جميلة، أو الطقس رائع والأرض تتسع للجميع، ولا داعي للصراعات على الكراسي والمناصب؛ فالجميع سيرزق، وأن الحياة مهما امتدت فهي فيلم سينمائي واقعي يعبر عن يوم من العمل الشاق.

وبعد أن أنجزت رحلتي في المشاهدة، بدأت أسجلها على الأوراق منذ اللحظة الأولى التي خرجت خلالها من المنزل، وأسجل بالدقيقة واليوم المتابعة، أسجل كل ما غزا رأسي من تخيلات وأشعر بالاستمتاع.

أحرصُ دائمًا على مثل هذه الرحلات بصورة دورية حينما أجد نفسي في حالة عدم تفاعل مع الحياة الصاخبة بما تحمل من مفاجآت غير سارة، أهرعُ للهروب إلى الأجواء الريفية بعيدًا عن السكان، وأستظلُ تحت شجرة بعد أن أفرش الأرض ببساط أحمله معي لمثل هذه الجولات التي تحتاج إلى التنفس العام؛ حتى أستمتع لو لبعض الساعات القليلة بالسلام الذي يتمثل في الهدوء والهواء النقي، الذي يُعدُّ أجمل هدية ساقها الله إلى البشر.

حينما يحين وقت المغادرة، أشعرُ بالضيق والفزع لكنني مضطرٌ لذلك؛ لأن متطلبات الحياة تُجبرنا على التعايش مع كل ما يجري حولنا.

لكنني دائم التردد على هذه الأماكن الخضراء التي تنتشلني من صخب المدينة التي كنتُ أظن أن الرفاهية فيها حامية، لكنني بعد العمر الطويل أحسستُ بأنني كنت مخطئًا في اختياري لذلك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة