أجرى علماء نفس واجتماع تجربةً اجتماعية لدراسة سلوك الناس على مختلف طبقاتهم، وتركوا سيارتين بأبوابٍ مفتوحةٍ ولوحات مفقودة في منطقتين مختلفتين طبقيًّا.
بدأ المارة في الحي الفقير بسرقة وتخريب السيارة في بضع دقائق، ودُمِرت بالكامل في غضون ثلاثة أيام.
في الحي الغني تطلَّب الأمر وقتًا أطول، وذلك بعد تدخل العلماء وكسر إحدى نوافذ السيارة، وبدأ الناس بكسر المزيد من النوافذ وسرقة السيارة، واستغرق الأمر وقتًا مساويا للحي الفقير لتحويل السيارة بالكامل إلى خردة في بضعة أيام.
كما أجرى العلماء دراسات مماثلةٍ على مبانٍ وممتلكات أخرى في مناطق مختلفة وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن إهمال معالجة أي مشكلة في بيئةٍ ما -بغض النظر عن صغر حجمها- سيؤثر على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكلٍ سلبي؛ مما يؤدي إلى مشكلات أكبر، والعكس صحيح. فمعالجة المشكلات الصغيرة في وقت سريع يؤدي إلى بيئةٍ أفضل وسلوكٍ أحسن.
والملفت للنظر في هذه الدراسات أنَّ الأشخاص الذين افتعلوا تخريبًا متعمدًا للسيارات والمباني لم يكونوا مجرمين ولا من أصحاب السوابق بل معظمهم من عامة الناس الملتزمين بالقانون.
ولفهم هذا السلوك البشري نعرف كلمة بشر فهي تدل على هيئة هذا الكائن الحي وما يملكه من جسم مادي وشكل وهيئة وصورة وغرائز فطرية حيوانية تحفظه وتبقيه حيًّا وتقيه مخاطر الفَنَاء، فإذا ما أضيف له العقل والنطق ليتواصل مع الآخرين ويجتمع معهم يصبح بشرًا إنسانًا، فيتأنسن سلوكه وطبيعته واجتماعه وتفكيره ونطقه واستنباطه وعقله.
فسلوك البشر وتصرفهم غير الواعي يدل على أن جزءًا من سلوكهم اليومي هو غريزي لم يمر بمحاكمة عقلية، وإن مر وأثبت العقل خطأه فهو بحاجة لقانون خارجي يلزمه به بقوة العقوبة الرادعة.
نعود لموضوعنا ونقول إن بقاء المشكلات الصغيرة دون حل ترسل رسائل خفيةً لكل الناس، توحي بأنه لا توجد عواقب لاستمرار المشكلة أو حتى تفاقمها.
وهنا يخرج السلوك البشري الغريزي من قبضة العقل ما لم يتهدد بالعقوبة.
من هذا المبدأ يتضِّح لنا تصرفات بعض الناس مثلاً إذا ما رأوا شخصًا يترك بعض القمامة في حديقة عامة، ولم تتم إزالتها في وقت معقول، ولم تطبق أي عقوبات على من رماها، عندها سيقوم آخرون بنفس الفعل في الحديقة ذاتها وستتحول إلى مكب قمامة ينفر الزوار منها.
وفي المنزل مثلاً تأجيل مواعيد التنظيف يؤدي إلى مشكلات صحية كبيرة كما أن بقاء خلاف صغير بين الزوجين دون حل ربما يؤدي إلى الانفصال وتشرُّد الأولاد.
فتجاهل المشكلات الصغيرة وعدم عرضها على العقل لمعالجتها اليوم يجعلها تكبر شيئًا فشيئًا وتؤدي إلى مشكلات كبيرة غدًا.
والحكمة التي تقول "لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار" ما هي إلا قانون إلهي نطقه رسولنا الكريم (ص) لحل ومعالجة المشكلات.
فالكبيرة تصغر عند الاعتراف بها والندم على فعلها، والتعهد بعدم فعلها مستقبلاً، والعمل على تعويض الضرر الذي حصل منها، كما أن الصغيرة تكبر عند الإصرار على فعلها والاستمرار بنتائجها وعدم العمل على الحد منها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.