من الغريب أن نجد أصدقاء ونتعرَّف عليهم، ونختلط بهم ونحبهم، ونكن لهم أسمى المشاعر والود، وتدوم محبتنا لهم سنوات طويلة، لا تفرق بيننا أي اختلافات، لأجد نفسي في يوم ما وحيدًا، وقد تركني هذا الصديق الذي كنتُ أرى فيه كل حياتي.
كنتُ أرى فيه كل آمالي، لأفاجأ يومًا أن هذا الصديق المقرب العزيز نسي كل الود والمحبة، وتغيَّر عليَّ كثيرًا، وهو يعلم أني أكن له مودة عظيمة، ولكن لا أجد منه سوى البرودة في الكلام، وعدم الاهتمام، وقلة السؤال، في الوقت الذي كنتُ أسأل عنه وأطمئن عليه وأحن إليه.
ولكن بعد هذه الأحداث فهمت قاعدة من هذه الحياة، أنه لا صداقة تدوم، ولا مودة تطول، وكل شيء قابل للزوال والتغير، وهذا التغير يعود لأصل اختيارك لصديقك ولرفيق دربك، فاحرص منذ البداية أن تختار صديقًا تثق به، صديقًا تعرف أنه لن يخيب ظنك، ولا يخذلك في طريقك.
فلربما صديق تعرفه منذ ساعات، خيرٌ لك من صديق تعرفه منذ سنين، كم من أصدقاء نتعرَّف عليهم بضع ساعات، ولكنهم يدخلون القلوب دون استئذان، تجتمع كل محبة الكون في قلبك تجاهه.
وفي المقابل نتعرَّف على صديق لسنين طويلة، ولكن يخرج حبه من قلبك، وكأنه عدو لك وليس صديقًا، ولهذا يقول القائل: "أحبب حبيبك هونا، ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا".
فهذا الحبيب الذي كنت تحبه أكثر من أي شيء، قد يكون بغيضك يومًا ما، بل قد يكون أبغض الناس لك يومًا ما، وكذلك هذا البغيض الذي كنت تبغضه أكثر من أي شيء، قد يكون حبيبًا لك يومًا ما، بل قد يكون من أحب الناس لك يومًا ما.
هذه هي سنة الكون، وهذه هي سنة الحياة، نُحب أشخاصًا، ونبغض أشخاصًا، ونميل لأشخاص دون آخرين؛ لأن القلوب لا سلطان يملكها، ولا حدود تحدها.
وفي المحصلة يجب أن نعرف من نحب، وكيف نحب، ولماذا نحب، فبعض الأصدقاء نحبهم؛ لكثرة مالهم، وهذه الصداقة يستحيل أن تدوم، وبعض الأصدقاء نحبهم؛ لجاههم، وهذه مثل سابقتها، وبعض الأصدقاء نحبهم؛ لأنهم فعلًا أصدقاء، وفعلًا يعرفون معنى الصداقة الحقيقية.
الخلاصة: لا صداقة تدوم إلى الأبد، ولا مودة تبقى دائمًا، هذا عائد لحسن اختيارك ووقت اختيارك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.