الصخرة المتشققة
أسمعُ من بعيد صوت أذان من إحدى مكبرات الصوت، إنه بعيد بما يكفي لأن تلعب به الرياح الخفيفة، فتارة تأخذه معها نحو الشرق فوق مئات أشجار السرو العالية، ثم يتخلَّلها ليتهادى على الهضبة الخضراء، وتارة تأخذه نحو الأعلى البعيد، وتتركه يهبط بهدوء مثل رذاذ خفيف.
لقد مر عليَّ في هذه المنطقة ثلاثة أشهر ونصف، وهذه المرة الأولى التي يصل فيها صوت الأذان إلى هنا..
أغمضتُ عيناي ورحت أسرح بلا مرشد مع ما أشعر به وأسمعه، يجذبني تغريد شحرور بعيد أسمعه الآن، يتخلَّله خرير الماء من بين الصخور، ناهيك عن مداعبة الهواء البارد لي.
استلقيتُ على الأعشاب الخضراء الباردة، ووضعت يداي خلف رأسي، وفتحتُ عيناي، وبدأت بمراقبة النجوم مثل عادتي كل يوم وقت الفجر، ومشّطتُ السماء ابتداء بكوكب المريخ ومرورًا بالشعرى اليمانية والمشتري، وعلى ذكر المشتري سيدخل في كوكبة العذراء في عام ألفين وثمانية وعشرون وهو فأل حسن.
أما بالنسبة لتألق الشعرى اليمانية في السماء فهذه حكاية أخرى، أغمضتُ عيناي مرة ثانية، وانطلقت مع أصوات الطبيعة سوية نحو الفضاء، وما إن وضعت طرف قدمي على تلك الغيمة الداكنة الصغيرة حتى قفزت نحو الأعلى أيضًا باحثًا عن غيمة غيرها.
السماء تتسع ويتغير لونها من الأسود إلى الأزرق الغامق، بدأت تختفي أصوات الطبيعة ولم أعُد أسمع صوت الشحرور أو تدفق الماء أو حفيف الأشجار، بل لم أعد أسمع حتى صوت ذلك الصرصار المزعج، أين ذهبوا جميعا يا ترى؟
نظرت إلى الأسفل وتساءلت كم أنت صغيرة أيتها الأرض، وانطلقت ثانية نحو السماء كان الهدوء يخيم على الأجواء، وليس هناك رياح فقط آلاف النجوم المتناثرة مثل الجواهر الملونة بألوان زاهية، فمثلًا نجم السماك الرامح بدا لي أصفرًا، أما السماك الأعزل بدا لي أزرقًا، ويبقى بريق الشعرى اليمانية مثل قنديل فيه ألوان مختلفة تخفت وتشع بسرعة وبقوة.
سمحت لنفسي بالسقوط الحر نحو الأرض وزادت السرعة إلى حد بعيد، إني أنطلقُ مثل السهم العثماني نحو الأسفل، بدأت أشعر بحرارة الاحتكاك، إنها لا تنفك تزداد وليس بيدي حيلة لإيقاف نفسي عن السقوط.
بدأ جسدي يحترق بالفعل، إنه ألم كبير وما زالت المسافة بعيدة، اشتعلت مثل شهاب يخترق الأرض، وصرخت بكل قوتي من الألم، حتى سقطت في جدول الماء بجانبي، تخبطت قليلاً وشهقت بقوة من برودة الماء، تحسَّست جسدي لم يحدث لي شيء، وهذه القشعريرة التي انتشرت في جسدي جعلتني أرتجف. تمنيتُ لو أن أحدهم هنا يؤنس وحدتي هذه ولكن كيف سيصلون
يتبع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.