خاطرة "لا دخان بدون نار".. خواطر أدبية

عنوان جميل وعميق في دلالته الوجودية، ويلوح بالضرورة أنه يوجد لكل قمة قاعدة، وأنه لا قيمة لزمن لم يسجله التاريخ لنا.

الشيء الذي قد يدفعنا للتخيل أو طرح أسئلة لا حصر لها، من أجل محاولة تقصي بعض الحقائق الضائعة أو غير المفهومة.

وبعيدًا عن أي تكلف في تبسيط وضعية الإنسان المعاصر في مجالات عدة، ابتداء من كيفية مسايرته لطرائق أو نماذج حياته، التي بها قد يتبين لنا أنه منذ أن شرع يؤرخ أجواء حياته وشعائرها، على شكل رموز أو صور أو حروف على أسطح صخر أو نصب أو ورق، إلى غير ذلك من وسائل نقل المعلومة أو الرسوم للآخر، بشتى الوسائط المتاحة.

ونلاحظ أيضًا أن عبقرية هذا المخلوق العاقل، لا تقتصر على حكمة التواصل فيما بين بني جلدته وكفى، بل إنه اهتم باختراع وسائل أخرى للتعبير عن نفسه، وإبراز خصلة الأنانية فيه مرة أخرى، التي أحيانًا كانت تنزل به إلى قمة هرم المخلوقات الحية، أخلاقيًّا أو إنسانيًّا إن صحّ التّعبير.

كان إصرار الإنسان القديم على تحسين أوضاعه المعيشية الاجتماعية منها والاقتصادية على حد السواء، ما جعل منه سيد الكون، فصار بعض من علمائهم يبيعون كفاءاتهم، وأخذ الأغبياء دورهم في تنفيذ أوامر أسيادهم الأنانيين في إلحاق الذل لقاعدة الهرم البشري.

وذلك باستخدام أفكارهم المحاكة بأيديولوجيات محكمة على قياس عقول جاهزة للترويض، على استهلاك الكلام واللغو إلى حد الترسيخ في اللاشعور لديهم، للتبعية بين المستضعفين منهم ماديًّا وفكريًّا كذلك.

وهكذا، نلاحظ أن الإنسان المعاصر، يعيش داخل منظومة متصلة رغم ما يوجد من فوارق اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وفنية إلى غير ذلك من مقاربات النوع، التي هي أساس أي مجتمع مدني متقدمًا كان أم ناميًا، فإن جل هذه المكونات المجتمعية لا تسعى في مخططاتها المستقبلية.

إلا أن تتمكن من القدرة على العيش الكريم والسليم، بعيدًا عن أي خطر مهما كان نوعه. وبذلك، قد تتحقق أغلب طموحات رواد هذا المجتمع، الذين وحدوا شعبهم وقادوا مساره بقوة الاتحاد، وبنوه على مبادئ ومفاهيم وليدة ثقافتهم، ورضيعة معتقداتهم ومن جنس أفكارهم وفلسفاتهم، على مسرح الحياة في تناغم، وباقي الشعوب والأمم.

من الأشياء التي تدعو للفخر والتميز، قد يكون ذاك الإحساس بامتلاك حس فني أو ذوق فريد أو عمل نادر أو فكر باهر إلى غير ذلك من الملكات القيمة، التي تضفي على صاحبها شعورًا لا يضاهى بجانب رضى النفس.

الذي قد يمثل له قيمة مضافة في مساره العلمي كان أو الفني أو لمجرد متعة ما، وبها قد يرقى بنفسه إلى مرحلة متقدمة في ميدانه أو تخصصه.

وكذا محاولة صنع وإبداع في عالمه الذي قد حقق فيه ما يدفعه لأداء مجهودات أخرى قد تمكنه في الأخير من تحقيق كل آماله ومبتغاه المتوخى.

ففي هذه الحياة، لكل أسراره وأحلامه التي من أجلها يكد سعيًا لجني محصول أعماله وأتعابه، وليتمكن من تأمين حياته بصفة عامة.

وبذلك القدرة على متابعة سيرته الذاتية مع الحفاظ على عيش كريم، رغم أن هاجس المستقبل، لا يمكن أن نتجاهله لأن لا أحد قد ينكر أبعاد متاهاته، فإنه من حقه أن يراهن على أن يحقق ما في وسعه، وكله أمل في أن يحتفل بميلاد أي مشروع أو حلم مهما كانت نسبة قيمته.

ثم بعد ذلك تأتي مرحلة استقلاله عن الآخر، وقد يكون العكس كذلك، فتجده يعيش مرحلة انتقالية على مستوى (سوسيو) اقتصادي مثلًا، من بين جوانب أخرى، التي يبحث فيها عن تلبية بعض مآربه الخاصة، كانطلاقة فردية عبر ركوبه قطار الحياة حسب وجهته المنشودة.

وكذا حسب ما تتستر عليه أيامه القادمة، بكل ما قد يتنبأ به أو لا، هذا إن عمر طويلًا، سوف يصل إلى محطة سفره الأخيرة.

وقد يجد هناك ما كان ينتظره وما عليه إلا أن يتأقلم من جديد على محيطه الذي نزل به، باعتماده على كل فرصة مهما كان دوره فيها، مع أنه قد ينجح في ذلك، لكن بشرط إن استخدم بعضًا من الحكم التي راكمها خلال ماضيه أيضًا

وعليه فإرادة الخالق شاءت وقدرت، أن يجعل في أرضه خلفًا قاصر المعرفة وضعيف القوة وله حياة محدودة جدًا كذلك.

أما الجميل في كل هذا الخلق، فهو أن هذا الكائن ما إن برز على وجه الأرض، حتى أخذ يندمج مع محيطه بكل ما أوتي من حواس.

وكذا لما له من رغبة فطرية في الثبات والبقاء حيًّا، لكنه ما إن وعى بأن وجوده هنا ما هي إلا مسالة وقت فقط وليس غير ذلك، حتى تكونت لديه عقدة صادمة ما بين إحباط وقلق عند بعضهم، مثلما تلقاها آخرون كنبأ يقين من مشيئة الخالق، فيجب عليهم الطاعة له لا لغيره، كونهم كائنات بسيطة مثل باقي المخلوقات الأخرى، وحينئذ تكمن عدالة الخالق سبحانه.

أما آخرون، فقد ذهب بهم التفكير إلى التساؤل عن هذا الشأن الكوني، فأخذوا على عاتقهم أن يكتشفوا خبايا المجهول بصفة عامة.

ومنهم من جعل من وجوده على الأرض مكسبًا وفرصة؛ لكي يحافظ على حياته لتلبية ما يحلم به رغم أن أمانيه غالبًا ما تكون بسيطة ولا ترقى إلى تلك الرغبة في الخلود النسبي.

فيترك بصمته على شكل تحفة فنية أو دراسة قيمة أو عمل نبيل وغيرها من المحاولات الثقافية، التي تضفي على صاحبها هالة من الكرم والجود والوقار والعظمة أحيانًا وغيرها من الصفات الحميدة كذلك، التي ترفع من شأن حاميها وحامل مشعلها؛ لأنها قد تدخله عبر بوابات التاريخ الإنساني الواسعة.

كاتب عصامي ينقل لكم مشاعره بكل أمانة. شكرا لمنصة جوك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أغسطس 20, 2023, 5:58 ص

أسلوب سلس هاديء معبّر .
بالتوفيق لك ولقلمك

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أغسطس 21, 2023, 7:03 ص

شكرا لمرورك و كذا لتعليقك اللبق. انت ايضا لك من ملكات التعبير ما يكشف زخم ما تحملينه بدواخلك. تشرفت بوجودك.

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 29, 2023, 7:31 ص - سادين عمار يوسف
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 21, 2023, 8:23 ص - سيد علي عبد الرشيد
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 7:32 م - سادين عمار يوسف
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 14, 2023, 6:27 ص - أسماء منصور علي
نوفمبر 13, 2023, 12:03 م - سندس إبراهيم أحمد
نوفمبر 13, 2023, 11:17 ص - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 13, 2023, 6:43 ص - رؤى مالك القاضي
نوفمبر 12, 2023, 2:15 م - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 12, 2023, 12:25 م - عامر محمود محمد
نوفمبر 12, 2023, 5:58 ص - موبارك حورية
نوفمبر 11, 2023, 8:03 ص - نضال الغفاري فضل السيد
نوفمبر 8, 2023, 4:43 ص - شهاب الشهابي
نوفمبر 6, 2023, 4:31 م - ساره محمود
نوفمبر 6, 2023, 11:20 ص - سعيد مجيود
نوفمبر 5, 2023, 10:41 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 5, 2023, 7:19 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 5, 2023, 6:26 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 5, 2023, 5:49 ص - عايدة عمار فرحات
نوفمبر 4, 2023, 8:46 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
نبذة عن الكاتب

كاتب عصامي ينقل لكم مشاعره بكل أمانة. شكرا لمنصة جوك.