ذهبت مدام حكمت لزيارة والدتها الجدة إحسان. كانت مدام حكمت حزينة، ودموعها تنسكب من عينيها رغمًا عنها.
وما أن جلست تلتقط أنفاسها، همَّت الجدة إحسان بأن تقول شيئًا، لكن مدام حكمت قالت على الفور: "ابنتي الوحيدة ريتاج وضعت وجهي في التراب وأخذت حقيبة ملابسها وتركت المنزل دون علمي؛ لأني أحاول إرغامها على الالتحاق بكلية الطب لتجد فرصة عمل فور تخرجها؛ فمعدل البطالة مرتفع حول العالم، ويوجد كثير من خريجي المعاهد والجامعات لا يجدون فرص عمل مناسبة لتخصصاتهم؛ وكأنه لم يعد للتعليم أي فائدة تذكر!".
ردَّت الجدة إحسان: "كيف تقولين ذلك؟ فالتعليم الجامعي يهدف لتعليم الطلاب التخصصات المتنوعة لتوفير عدد من المتخصصين مستقبلًا، ولتحقيق الخطط التنموية وتحريك عجلة التنمية والتطور العلمي، وإحداث تغييرات إيجابية في المجتمعات، وخلق أجيال قادرة على الإبداع والنقد البناء والتفكير المنطقي والتعايش مع الآخر، وتوجد مقترحات متنوعة منها:
ربط التعليم العالي بالبحث العلمي، وتعاون وزارات التعليم العالي مع الهيئات المعنية بالتدريب، والاستفادة من التجارب العالمية الرائدة، والتنسيق مع مراكز البحوث المتنوعة؛ حيث تعتمد النهضة المعرفية في تخصص ما سواء أكانت علومًا تطبيقية أم اجتماعية أم عسكرية أم مدنية على البحث العلمي.
تحسين جودة التعليم واستخدام التقنيات الحديثة والمتقدمة ومناهج البحث العلمي في العملية التعليمية، وتخصيص دعم مالي من موازنة الجامعات لأغراض البحث العلمي ودعم التخصصات المرتبطة بخطط التنمية.
وضع خطط واقعية قابلة للتطبيق، ومحاولة تحقيق التنمية المستدامة وتوطين التكنولوجيا المتقدمة، وتوفير بيئة اجتماعية صالحة وصحية، واختيار أساتذة أكفاء ذوي شخصية قوية ومظهر مناسب ومنطق سليم.
اطّلاع الطلاب على بحوث في مجالات تخصصاتهم نفسها، مع تدريبهم على التفكير العلمي، وحرية إبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر، والالتزام بالقيم والمبادئ، وتجنب المساس بالثوابت الإيمانية، وتنمية القدرات الفكرية والذهنية للطلاب واكتشاف المواهب مبكرًا.
اقرأ أيضًا: خاطرة "إلى ماريا النمر وريان سعيد".. خواطر وجدانية
عامة فإن الطالب يهدف بدراسة تخصص ما الحصول على عمل مناسب في المستقبل لتأمين المتطلبات الحياتية أو المكانة الاجتماعية، أو شغفًا بطلب العلم، ما يصنع إنسانًا ناجحًا سعيدًا".
قالت مدام حكمت: "لكن كان عليها أن تلتحق بالطب لتنفيذ رغبتي، ولأني أعرف أكثر منها!".
قالت الجدة إحسان: "ألا تذكرين ما تحمَّلناه من غمز ولمز وسخرية لتحصلي على شهادتك الجامعية؟! لعلك نسيتِ شعارات رفعها بعض من نعرفهم بأن انتقال البنت للدراسة الجامعية في العاصمة وعلى بعد مئات الكيلو مترات من مدينتها أمر يورث العار والمهانة! ربما نسيتِ كل المشكلات التي تم افتعالها، بل وكانوا ينتظرون رسوبك بفارغ الصبر، لكنك والحمد لله خيبتِ كل آمالهم، ولا تزالين صامدة".
التقطت مدام حكمت أطراف الحديث وقالت: "لكن يا جدة إحسان ألا تعدين ما قامت به ابنتي فرصة رائعة يغتنمها أولئك الذين يحاولون إلحاق العار بنا بأي طريقة؟!".
اقرأ أيضًا: خاطرة " أيَّتُها الفاتِِنَةُ ".. خواطر حزينة
ردَّت الجدة إحسان: "اتركي لها مزيدًا من الحرية، فهندسة البرمجيات التي تريد ريتاج الالتحاق بها تؤهل الطالب للعمل مهندسًا أو محللًا أو مصمم نظم، أو مطور نظم أو برمجيات...".
وما أن اقتنعت مدام حكمت برأي الجدة إحسان، نادت الجدة إحسان على ريتاج التي خرجت من إحدى الغُرف، وحضنت والدتها، في حين كانت الجدة إحسان تقول: "يا ريتاج لقد وافقت والدتك على أن تلتحقي بالتخصص الذي تفضلينه، بشرط أن تظلي متفوقة..".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.