المقادير: صورة شخصية لكتاب وفنجان قهوة..
-من 1 إلى 7 منشورات عن القهوة، وحب القهوة، ونكهة القهوة، ورائحة القهوة، وكيف تؤثر القهوة على مزاجك وحياتك وأنها عشيقتك ومحبوبتك في الأوقات كلها (قد يكون الأمر حقيقيًّا أو لا يكون..)
-صورة شخصية بنظرة تأمليّة عميقة.
-الوُجود الدائم في أي مقهى وفي كل مقهى، بسبب وبدون سبب ويا حبذا لو كان معك جريدة محلّية سياسية أو اقتصادية، اقرأ ما فيها سواء فهمت أم لم تفهم تمامًا ما تقرأ، وإلا نزعوا عنك صفة المثقف (لا سمح الله).
-مشاركة خواطر حزينة، أو الكتابة عن محبوبة بعيدة (غالبًا خيالية) أو مشاركة أقوال دوستويفسكي أو أي شيء حزين مأساوي سوداوي كتبه أي أحد في أي مكان أو زمان؛ لأننا كبشر لدينا ارتباط عميق ما بين الحزن والعُمق!
-مكتبة منزلية فيها كل ماه وشائع وكل ما قال الناس عنه (رائع) من الكتب والروايات، ليس بالضرورة أن يكون عظيمًا حقًا أو عميقًا، المهم في الدرجة الأولى أن يكون مشهورًا، وفي الدرجة الثانية أن تكون قد قرأته أو على الأقل مررت عليه.
-محاولة الفوز بمسابقات المعلومات العامة، الكلمات المتقاطعة، لعبة وصلة على الهاتف المحمول، برنامج للعائلات على التلفاز... أي شيء، المهم أن تفوز، وإلا يسحب منك لقب المثقف (لا سمح الله).
-قبعة مثقفين ونظارات طبية كي تدخل في شخصية المثقف فورًا، ولو في يدك سيجارة طوال الوقت تنفث دخانها مع القليل من التأمل (حتى لو كان رأسك فارغًا بالمرة).
-الإجابة بإجابات غامضة حزينة عن كل شيء، مثال: كيف حالك يا أحمد؟
-حالي؟ أتسأل عن حالي؟ أي حال منهم؟ فأنا في كل حال إنسان!
-رشة استعلاء وفوقية على العامّة (بما أنك الآن مثقف).
-انعزال شخصي في وسط الاجتماعات من نصف إلى واحد ونصف ساعة حتى تمام النضج..
وباقي المقادير اختيارية حسب الرغبة..
عندما علم أصدقائي أنني أكتُب، نظروا ألي وقالوا مازحين: هل تجلسين وتشربين القهوة وأنت تكتبين؟
ليصحح له الآخر: بل تحتسيها احتساء.
ما كان مني إلا أن أضحك وأقول لهم: أنا أصلاً لا أطيق القهوة، ولا أكتب على الورق، وأستعمل الهاتف للكتابة، ولا أجلس باعتدال وأنا أكتب، وأبدو كمن تتكلم مع صديقتها حول نميمة ما، نعم أحتفظ بالكثير مما أكتب في هاتفي لكن هذا ليس كافيًا لجعلي مثقفة على ما أعتقد..
الثقافة يا سيدي وسيدتي ليست حالة ولا جوًا ولا شخصية!
ففنجان قهوة + جريدة + أغاني فيروز = ثقافة
ولا معادلة قهوة +مقهى + قصيدة = مثقف
ولا هي عملية الكتابة، الثقافة ليست أن تكتب ولا أن تكتئب ولا أن تنعزل، ولها تعريفات كثيرة، لكن ليس في أي منها أن تتصنعها..
الثقافة بالنسبة لي هي رغبة داخلية بأن تستمر في المعرفة، معرفة شيء عن كل شيء..
الرغبة في المعرفة بكل شغف، أن يكون في عينيك لمعة لمعرفة كل ما هو جديد، سواء كتاب، حضارة، شخص، بلد، ثقافات، أعراف، أفكار، الخ.
الثقافة هي ألا تجيد الإجابة عن كل سؤال، بل أن تجلس بجواري وتقول: أنا لا أعرف عن كذا وكذا، أخبرني أريد أن أعرف أكثر!
الثقافة أن يعتريك الفضول حول ما يجري في الهند أو كمبوديا، بنغلادش أو مقديشو كما يعتريك الفضول لحلقة جديدة من مسلسلك المفضل.
ليس شرطًا أن تكون مولعًا بالقهوة، ولا ولاءك الوحيد لها، لأن ما في عقلك ليس له علاقة ما في فنجانك حتى لو كان عرق سوس بارد في يوم شديد الحرارة.
الثقافة أن تغريك فكرة الاختلاف، أن تجلس وتناقشني في شيء، لا لكي تفوز، ولا لكي تقنعني بوجهة نظرك فهذه ليست مبارزة، بل أن تحاول فهم الفكرة من منظوري، من عالمي ومشارف معرفتي..
أن تقول لي رغم استنكارك: يعجبني الاختلاف الذي بيننا، يعجبني أن أرى العالم من خلال رأسك!
لا أن تقف معترضًا على رأيي وتهاجمني فيه، أو تحاول فرض رأيك عليَّ.
المثقف لا يعنيه من هو الأصح، بل تجذبه فكرة، أن يعرف، أن يسمع، أن يتعرّف، ألا يغلق أذنيه ولو لثانية عن المألوف وغير المألوف..
قد يكون شخصًا يتحدث لرجل مسن على كرسي قش مثقفًا أكثر من شاب يافع يحاول قراءة مسرحية ماكبث في مقهى معروف..
المعرفة لا تُعدُّ بالكتب التي قرأتها ولا بالكتب التي ستكتبها، بل بمدى قدرتك على اكتشاف أشياء جديدة كل يوم.
الثقافة هي أن تعرف الكثير، لكن أن تعترف أن ما لا تعرفه أكثر!
الثقافة ليست كمًّا من المعلومات غير المنظمة في الذاكرة، بل هي تلك الأشياء التي عرفناها بشغف..
أستطيع قراءة مئة كتاب ولا أتذكر سوى واحد..
أستطيع شرب مئة فنجان قهوة دون أن أكون مثقفًا..
المثقف الواعي يكشفه أسلوبه في التعامل، في رغبته بأن يتعرف ويسأل وألا يخجل من السؤال، وهو ليس فقط من رواد المقاهي والأمسيات الشعرية، قد يكون ممن يتابعون الكرتون مع أبنائه أو مقاطع الإنترنت المضحكة مع أصدقائه..
فهناك تجربة إنسانية غنيّة تشده في كل شيء، وفي كل زاوية من الحياة يأخذ لمحة..
المثقف هو شخص متأمّل في الحياة، وليس في الفراغ أو العدمية، ليس فقط بالسوداوية، وإنما أيضًا بجوهر الحياة.
المثقف الحقيقي قد يكون أحدًا بيننا ومنَّا، لا داعي لأن نشير عليه ونقول: ذلك هو المثقف بلا شك..
إنه ليس وسامًا ولا جائزة ولا منصبًا ولا رداء، أن تكون مثقفًا هو أن تعرف أنك الشخص المحب للمعرفة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.