مع تباشير الفجر ينهض بعزيمة لا تلين، وإرادة لا تقهر، متسلحًا بإيمان راسخ بأن الله تعالى يرزق البشر كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا، يؤدي صلاة الصبح في جماعة بمسجد الحي، ويركب دراجته العادية متوجهًا إلى ساحة "موقف باب دكالة"، بحثًا عن عمل.
ذاك شأن "الطاهر" عامل مياوم، في الأربعينيَّات من عمره، رب أسرة مؤلفة من زوجة وثلاثة أبناء، يقطن ضواحي مراكش، وينحدر من أسرة فقيرة، لم يكمل تعليمه الابتدائي، فخرج للعمل في سن مبكرة، إنه الرجل الطيب بشهادة كل من عرفه، أمضى سنوات عدة لم يترك مجالاً لاكتساب الرزق إلا ولجه: كان حارسًا في ورش لبناء فندقين، ثم في ملهى ليلي، وبعد ذلك تم الاستغناء عن خدماته دون تعويض...
اشتغل دحرًا من الزمن بائع خضر وفواكه، وعانى من مصادرة أعوان السلطة لبضاعته أكثر من مرة، بحجة استغلاله للملك العمومي دون ترخيص...راح يوزع الجرائد والمجلات على أكشاك بيع الصحف، إلى أن كسدت سوق الصحافة الورقية فسرح من عمله... ضاق به الحال، فالأفواه في البيت مشرعة تنتظر من يسد رمقها.
لم يبق له إلا أن يجرب حظه في ساحة "الموقف"، وقف هناك لأول مرة، بدا غريبًا وسط حشود المياومين، رمقه صاحب شاحنة فتوجه نحوه، استقطبه بمعية شخص آخر، عرض عليهما أن يفرغا له سلعة من على الشاحنة إلى مستودع التخزين، قبل "الطاهر" على التو، أخيرًا حصل على عمل يكسب به أجر يومه.
رافقاه إلى المستودع، وهناك سيتفاجأ بنوع السلعة المطلوب إفراغها، إنها عبارة عن صناديق خشبية مملوءة بالصبار المعروف بشوكه الذي يخز.
تردد "الطاهر" لكن زميله شجعه وأومأ إليه بالشروع في العمل برفق، إذ ليس لهما من بد.
شرعا يحملان البضاعة على اكتافهما، ويرتبانها في المستودع، وأشواك الصبار تتسرب بين ملابسهما، وما كاد ينتهيان حتى أصابهما التعب والمشقة من فرط وخز الشوك، وفور تسلمهما أجرتهما، هرع "الطاهر" مسرعًا يعتصر من الألم، وهو يردد: أخذت درسًا من الصبار لن أنساه أبدًا، دافع عن نفسه حتى وهو يساق إلى المقصلة، أشواكه خلقت لحمايته في بيئته الصعبة حتى لا يكون سهل المنال.. باختصار: كن نبتة صبار تكن جديرًا بالحياة.. دع آمالك تزهر، كما تخرج الزهرة من بين مخالب أشواك الصبار...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.