ماذا حدث.. الآن أصبحت المرآة عجيبة جدًا ليست هي مرآتي التي كنت أطيل النظر إليها أصلح قصاصة شعري أو أهندم ملابسي أو أتزين بهذا وذاك... ولكن عجبًا شيء ما تغيَّر بالرغم من أن المرآة واحدة لم تتغير..
ولكن من هذه التي تقف أمام المرآه.. لست أنا مع أنه نفس الإحساس، ولكن قصاصة شعري السوداء كساها المشيب، ووجهي تغيرت ملامحه حتى ملابسي أصبحت ملابس امرأة خمسينية..
لست كما كنت ماذا حدث؟ لا اصدق أن تلك الأعوام مرت سريعًا.. مر العمر بي في لحظة خاطفة.. لم أعُد تلك الفتاة التي تضحك في أحضان أبيها وأمها وتلعب هنا وهناك.. ولم أعد تلك الشابة التي تنسج خيوط المستقبل بخيوط ذهبية.. وحتى لم أعد أم الأطفال التي تجري وراءهم يمينًا ويسارًا...
تُذاكر وتطعم وتداوي وتأخذ إلى النادي والملاهي.. كيف مرت هذه السنوات بهذه السرعة.. فما زلت أتذكر يوم حصولي على الثانوية العامة وأول يوم لي بالجامعة حتى أتذكر فستاني الأبيض وكأني عروس تزف للجامعة..
وأتذكر يوم تخرجي وفرحة أبي وسجدته لله شكرًا، ودموع أمي وتنهيدتها لانتهاء عبء الدراسة والامتحانات.. وسنة الخدمة العامة التي التقيت فيها بزوجي...
ويمضي كل هذا في غمضة عين ثم يأتي عام الحزن حيث توفي أبي.. أتذكر هذا اليوم تمامًا كأنه حدث بالأمس ولا أثق مرور أكثر من ثلاثين عام على وفاته...
وبعد كل يأس يأتي فرح، فيأتي فلذات أكبادي واحدًا تلو الآخر... مرت سنون الشباب وولت مسرعة... بين يأس وأمل... بين فرح وأحزان جرت بي الأيام..
أنظر داخلي أجد شيئًا وأنظر إلى مرآتي أجد شيئًا آخر تمامًا.. هل جننت أم هو الزهايمر أم هي حلاوة.. وإذا بحثت في علم النفس لكي أجد حلاً لهذه الخربطة التي أشعر بها فنجد العالم (ليفينسون) استخدم مصطلح "أزمة منتصف العمر" وهي الأزمة التي يمر بها الفرد خلال انتقال منتصف العمر..
وتتميز هذه الفترة بإجراء تغييرات مفاجئة وكبيرة والمعاناة من القلق وإعادة تقييم الذات والخيارات والتغلب على مصادر النزاع في حياة الفرد وآمن (ليفينسون) أنه خلال هذا الانتقال يجب على الفرد أن يطور التعاطف والتقبل والحب وإلا سيصبح مثقلاً بالصراع الداخلي والخارجي.
وهذا ما يفسر لي السلام النفسي الذي بدأت أشعر به الآن، فبعد مرور عدد لا بأس به من السنوات.. وجدت غضبي من المجتمع حولي ليس بنفس القدر في سابق العهد، لا أبالي بالمشاحنات والخلافات والأحقاد وغيرها من المشاعر التي ابتليت بها مع بعض البشر التي قدر لي معرفتهم والتعامل معهم..
طاقة النكد قلت عندي تمامًا لم أعد قادرة على تحملها.. وكذلك انتظار الغد.. أصبحت لا أنتظره كثيرًا فأنشغل باليوم أكثر، أخاف من الغد رغم تفاؤلي به، ولكني لا أحب قطع أوراق النتيجة لتجري الأيام سريعًا فربما هذه الأيام عمري أو عمر من أحب (لا قدر الله)...
قلة طاقتي الجسمانية سمحت لي بأوقات راحة واسترخاء أكثر، فهدأت حركتي الدائبة والسعي هنا وهناك، وأصبح لي وقت يتسع للاسترخاء والتفكير الهادئ والتأمل وقد كبر خوفي من الله أكثر واكثر والتزامي بالفروض والسنن أكثر.
وكبرت قلة حيلتي في حل كثير من الأمور لمن أحب وأصبح دعائي لله هو سبيلي الوحيد لحل أي مشكلة تعكر صفوي أو صفو أحبائي..
وكل ما مضى طبيعي في مرحلتي العمرية ولكن غير الطبيعي هو طموحي وسعيي لتحقيق أحلامي وهو آياتي وكبر هذا الطموح حتى وجدته عملاقًا يأخذ بيدي العليلة، ويجري بي عند كل باب أجد فيه نورًا وأملاً ونجاحًا إلى أين تذهب بي أيها العملاق...
لا أدري لن أنظر إلى المرآة يعين اليأس مرة أخرى.. فإن صورتي الجديدة ليست بالسيئة تمامًا، ولكنها تطور طبيعي في الحياة، عندنا الحياة الإنسانية المتكاملة بعد الأربعين (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة)..
وهذا دليل على اختصاص سن الأربعين أنه سن استيفاء كمال العقل والفهم، وكذلك نزول الوحي على رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم في سن الأربعين)، وكذلك أنجبت أمنا خديجة (رضي الله عنها) بعد الأربعين جميع أبنائها....
إذن السن ما بعد الأربعين ليست نهاية للحياة وليس لانتظار الموت والفناء، فقدر الله لنا ميعاد ميلاد وميعاد وداع... وعلينا العمل ما دامت الحياة وما دامت الصحة، حتى تنتهي رسالتنا في الحياة على أكمل وجه..
فكم من أناس بدأت موهبتهم وتألقهم في سن متقدمة وسعدوا بهذا كثيرًا.. وكما قال أبو العتاهية:
بكيت على الشباب بدمع عيني
فلم يغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفا علي شباب
نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكان غضا
كما يعري من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يومًا
فأخبره بما صنع المشيب
مارس 31, 2023, 10:24 ص
رائعة
مايو 9, 2023, 11:23 ص
شكرا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.