خاطرة "قلب أمك يا ورود".. خواطر أدبية

قلبُ أمِّكِ عليك يتفطَّر، وأمُّك عليكِ تتحسَّر، وقد ودَّعْتِها وهي ترى فيك الأملَ، وتركتِها ولا ترجو لك الأجَلَ، وتضمَّ روائحَكِ إلى صدرِها وهي حنون، ولما فارقتِها أصابها لموتِكِ جنونٌ، وهي ترى فراقَكِ سرابا، وترى سفرَكِ اغترابا، وقد أودعَتْ فيك النورَ، كما غرستْ فيكِ الزهورَ، وتسمعُ من صوتِك الندِيِّ الطيورَ، وأنت في فجر عمُرِك بشارة، وأنت منها عُصارةٌ، وقد أحبَّتْكِ حبا لا تحبُّه أحَدًا، وترى فيكِ ما لا ترى في غيرك أبدًا.

تساقطِت الورودُ على الترابِ          

غداةَ مضتْ على رِيشِ الغُرابِ

تسرُّ الناظرينَ إلى سنـــــــاها         

فغابتْ عنهمُ مثلَ الضــــــــــبَابِ

رأتْها أمُّها أملًا قـــــــــــــــويًّا      

تريدُ لها الحضورَ بلا الغِــــــيابِ

رأتْها أمُّها كالزهرِ يــــــــــبدو       

لكل العينِ في فجر اقتـــــــــــرابِ

سمتْ ونمتْ كأن النورَ وعـــدٌ      

يرافقُها إلى أعلى الـــــــــــــروابي

وقد رأتْكِ أمُّكِ كل شيء في حياتِها، وترى فيكِ قصيدةً في أبياتها، وأنت وعدُها الذي يريد أن يرى لها فجرا، وأنت كل شيء لها ترى لها ذخرًا، وأنت كل إحسانٍ ومِنَنِ الله لها ترى لها فخرا، وحينما يتنفس الصبح، ويبتعد القبح، تحمل لك في قلبها حبا كاملا، وتحمل في سُوَيدائها لك حنانا شاملا، وأنت عذابها ونعيمها، وأنت رحمتُها ونسيمُها، وأنت جَناحُها وفضاؤها، وأنت صلاحها ورجاؤها، وأنت أمانُها واطمئنانُها، وأنت وقتها وزمانُها، وأنت كل تملك، والطريق الذي تسلك.

تراكِ حقيقةً من دون شــــــكٍّ    

وأنت يقينُها دون الــــــسرابِ

سقتْكِ الحبَّ حين يفيضُ منها    

وأنت يقينُها دون ارتيــــــــابِ

رسمتِ لها الحياةَ على مداهـا     

فصرتِ رفيقةً دون العِتـــــابِ

لقد خافتْ عليكِ، تقول: بنــتي    

حياتي، والحياة على الصوابِ

لقد حسدتْكِ دُنيا الحُزْنِ دهــرا   

تسوقُكِ نحوَ ضرٍّ وانتيـــــــابِ

ولقد أكملتْ أمُّك مسيرتَها بولادتِك، وضحَّتْ بكل ما لديها لسعادتِك، فلم تتألَّم بعدما علمتْ فيكِ الحسنَ، ولم تشتكِ من نُوَبِ الدهر بعدما عرفتْ لك في الخير الوزنَ، فأسعدْتِها بعد شقائها، وبشَّرْتِها بعد بلائها، فلم تعبثْ بكِ بعدما علمتْ أنكِ أُمْنِيةٌ في أرجائها.

بكِ افتخرتْ بكِ انتصرَتْ زمانًا      

وأنتِ لجسمِها خير الثيــابِ

عليكِ تصبُّ أحلامًا صِحـــــاحًا      

وأبقاها عليكِ بلا الذهــــابِ

تخطًّ عليك دُنياها التي قــــــــــد    

رأتْها وعْدَ آمالِ ارتقـــــابِ

وقد صنَعَتْكِ ســــــــــاميَةً سمُوًّا     

فما سلكتْ طرائقَ لاكتئابِ

وقد صنعَتْكِ عاليةً عـــــــــــلُوًّا   

وقدَّمَتِ الذُرا لك باكتســابِ

تناجيكِ حين تنفرد بوحشة الدنيا، وتراك ملازمةً لها في الطرائق العُليا، وتمدُّ لك الجسر إلى المعالي، وتميط عن طريقِكِ ما يؤذيك في الآمال، وتؤنِسُك أُنْسًا، وتٌبْعِدُ عنك مسًّا، وهي ملء فدائكِ، وهي أصل ضيائك، وقد جعلتْ خُطاكِ بصبرها مسَدَّدة، وجعلتْ مسيراتِك بالحسن ممدَّدَةً.

سرقتِ القلبَ منها حين يصبو   

إليكِ، وقلبُها رهْنُ العُجــــابِ

وأنتِ جعلتِها تؤتــــــيكِ سَعْدًا   

شقاؤكِ صار في حبلِ انجيابِ

وجانستِ الرقِيَّ إلى ومـــيضٍ 

فلمْ يحجبْكِ من أي الحِجــــابِ

ولازمْتِ الثُرَيَّا في المعـــــالي

وما فارقْتِ أحلامَ الإيـــــــــابِ

سعيتِ إلى الكمال كمــالِ حُلْمٍ

فذقْتِ بذاك حُلْوًا دون صـــــابِ

يا ورودُ! إن قلب أمِّك فارغٌ، والبكاءُ على فراقكِ سائغٌ، يا ورود! ماذا يبقى بعد موتِكِ في قلب أمِّك، وماذا يكون فيها من همِّك؟

يا ورود! قلب أمّك لا يزال عليك في الحزن، ما لك آثرتِ الفراقَ في هذه السن، يا ورود! إن فراقك عند أمك من الفواجع، وقد رجعت إلى ربك مثل الودائع، واليوم لزمت أمك الصمتَ، ولكن لم تفقد السمتَ، وهي لا تكلّم اليوم إنسيًّا، كما لا تريد أن ترى جنيًّا، يا ورود إنك في قلبها، وروحك عند ربها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 8, 2023, 11:38 ص - نور الدين شعبو
ديسمبر 7, 2023, 11:33 ص - حبيبه شريف
ديسمبر 6, 2023, 10:17 ص - عبدالخالق كلاليب
ديسمبر 4, 2023, 9:30 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 4, 2023, 7:21 ص - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 2, 2023, 3:30 م - قدوه نمر الشعار
ديسمبر 2, 2023, 8:20 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 1, 2023, 9:19 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 25, 2023, 12:44 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 23, 2023, 4:24 م - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 19, 2023, 2:09 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 19, 2023, 1:25 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 13, 2023, 12:03 م - سندس إبراهيم أحمد
نوفمبر 12, 2023, 2:15 م - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 12, 2023, 12:25 م - عامر محمود محمد
نوفمبر 8, 2023, 4:43 ص - شهاب الشهابي
نوفمبر 6, 2023, 4:31 م - ساره محمود
نوفمبر 6, 2023, 11:20 ص - سعيد مجيود
نوفمبر 5, 2023, 10:41 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 5, 2023, 7:19 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 5, 2023, 6:26 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 4, 2023, 8:46 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
نوفمبر 4, 2023, 3:50 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 4, 2023, 5:59 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 3, 2023, 6:55 ص - محمد بخات
نوفمبر 3, 2023, 5:13 ص - وفاء حمزه سعيد
نوفمبر 2, 2023, 11:59 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 1, 2023, 4:19 م - ياسر الجزائري
نوفمبر 1, 2023, 11:00 ص - عائشة صلاح الدين
أكتوبر 31, 2023, 11:32 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
أكتوبر 31, 2023, 7:33 ص - كامش الهام
أكتوبر 30, 2023, 12:26 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
أكتوبر 30, 2023, 12:05 م - جوَّك لايف ستايل
أكتوبر 30, 2023, 10:16 ص - محمد بخات
أكتوبر 30, 2023, 9:46 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 29, 2023, 4:26 م - محمد محمد صالح عجيلي
أكتوبر 29, 2023, 10:07 ص - حامد محمد النعمانى
أكتوبر 28, 2023, 8:57 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
أكتوبر 28, 2023, 2:49 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 28, 2023, 6:34 ص - نعيمة وائل
أكتوبر 28, 2023, 6:23 ص - ميدو ابن القاهرة
أكتوبر 26, 2023, 8:18 ص - مدبولي ماهر مدبولي
أكتوبر 25, 2023, 4:03 م - محمد نحمد الله المناضل
أكتوبر 24, 2023, 11:58 ص - غزلان نعناع
أكتوبر 24, 2023, 6:26 ص - يزن مهند محمد
نبذة عن الكاتب