في طريقي إلى إحدى المصالح الحكومية لإنهاء بعض الأوراق، كنت أستقل الميكروباص، أراقب الطريق الذي يمضي سريعًا من حولي. وعندما اقتربت من وجهتي، توقفت العربة ونزلت منها بخطوات متعجلة، وكأنني ألاحق الزمن لإتمام ما جئت من أجله.
لفت انتباهي رجل مسن يتكئ على عكاز في يد، وفي اليد الأخرى يحمل سبحة وكتبًا صغيرة تبدو وكأنها مصدر رزقه الوحيد. كان يخطو ببطء يثقل كاهله، كأنه يتحدى الزمن.
فجأة، وكأن الأرض غدرت به، سقط جسده الواهن وارتطم بالأرض بقسوة، تناثرت كتبه حوله، وانفلتت السبحة من يده. مرَّ الجميع من حوله كأن المشهد لم يكن.
ركضت نحوه دون تفكير، كأن قلبي قفز من بين ضلوعي. كنت أرفع جسده الذي بدا هشًا، أشبه بورقة خريفية تتقاذفها الرياح. جمعت كتبه المتناثرة ويدي ترتجف، في حين كانت عيناه تبحثان في وجوه المارة عن نجاة ولم تجد سوى عدم المبالاة.
استمر الناس في سيرهم، خطواتهم عابرة، كأن شيئًا لم يحدث. لم أسمع سوى ضجيج السيارات وصدى الغياب. شعرت بغصة في حلقي وتساءلت: هل أصبحت القسوة قانونًا؟! هل بات مرورنا على وجع الآخرين أمرًا مألوفًا؟
أين أبناؤه؟ أين من يشاركونه هذا العمر الذي يثقله؟! أين من يحمونه من الانكسار في شوارع لا ترحم؟!
هل أصبح في هذا السن لا يستحق أن يحظى بشفقة؟! كيف يتركونه وحيدًا يواجه قسوة الحياة في هذا العمر؟!
وقفت حائرة والدموع تخنقني. كنت أمسك بيديه، أنظر في وجهه الذي كتب عليه الشقاء، وأبحث عن كلمات تواسيه، وعن فعل يعيد إليه بعضًا من كرامته التي انكسرت أمام الجميع. اطمأن قلبي على حاله ثم مضيت أخفي دموعي التي انهمرت رغمًا عني، كأنني هاربة من مشهد لن يغادر ذاكرتي أبدًا.
كم من العابرين مثل هذا الرجل يطحنهم الزمن وحدهم؟! كم من الوجوه تسقط ولا تجد يدًا تمسك بها، ولا قلبًا يشعر بالوجع الذي تخفيه؟! كل ما حولي أصبح مجردًا من الرحمة، وكأن ضعفهم صار جرمًا، وكأن الشيخوخة أصبحت تهمة.
كم أكره هذا الطريق! كم أكره كل شيء فيه! حتى وجهي الذي انعكس في مرآة دموعه!
رائع جدا 🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.