خاطرة «فلسفة الامتنان».. خواطر وجدانية

أنا ممتن على نعمة البصر؛ لأني أبصر جمال العالم بكل ما فيه.. أنا ممتن على نعمة السمع؛ لأني أستمع إلى أصوات الأحبة والأصدقاء وأصغي إلى أصوات الحيوانات الأليفة التي ترسم على وجه الحياة ابتسامة الحب والجمال..

أنا ممتن على نعمة اللمس؛ لأني أتحسس بها ليونة الأشياء الناعمة وخشونة الأشياء الصلبة ..

أنا ممتن على نعمة التذوق؛ لأني أستمتع بمذاق كل الفواكه على اختلاف أنواعها، أنا ممتن على نعمة الشم؛ لأني أستنشق روائح العطور وأشتم روائح الورود الشذية، التي تبعث في النفس شيئًا من الانتشاء والمتعة..

أنا ممتن على نعمة العقل، الذي أميز به بين الجمال والقبح وبين المعنى والوهم، وبين الكائن، وما يجب أن يكون، وبين الفضائل والرذائل، وبين السمو والدنو، وبين الرفعة والابتذال، وبين التجديد والتقليد، وبين الفعل والجمود.

أنا ممتن على نعمة العائلة، التي تحتضنني في أفراحي، وترسم على وجهي الطمأنينة والابتسامة، وتواسيني في أتراحي، وتشد من أزري، وتزيح عن صدري ثقل الهموم والمعاناة.

أنا ممتن لأبنائي الثلاثة؛ وجود وجد ووجدان، هذا المزيج الرائع والفريد الذي يحمل في صلبه أرقى معاني الحب والجمال، أنا ممتن لذكرياتي الجميلة الممزوجة بالألم والأمل، والعذاب والسعادة، والمتعة والنشوة، والهدوء والاضطراب، والفرح والحزن، والضحك والدموع، والسكينة والصخب.

أنا ممتن لأناملي التي رسمت بشغف هذه الكلمات الجميلة، النابعة من قلب ينبض بالحب والحياة، أنا ممتن لقهوتي التي ترافقني دومًا وأنا أنقش على دفتري هذه المشاعر والأحاسيس، التي يعتريها شيء من الهدوء وكثير من الحيرة والدهشة.

الإنسان في هذا العالم لا يرى الجمال في التفاصيل الصغيرة المتوفرة بين يديه وعلى مرأى ومسمع منه، بل هو يبحث عنها في ماضٍ قد ولَّى واندثر وفي مستقبل مجهول الهوية، لا يحمل في الحقيقة إلا صورة مزيفة وغير واقعية لآمال وأمنيات هي في الحقيقة ضرب من الخيال والوهم، لأن ذلك المستقبل ما إلا تجلٍ للحظة حاضرة من الزمن بتفاصيلها وأحداثها وحيثياتها.

المستقبل إذًا ليس إلا مصطلح بشري للحظة حاضرة لم يحن وقتها بعد، ومن هنا يجب على الإنسان أن يحيا هنا والآن" في كل لحظة من الزمن، وأن يحاول الاستمتاع بكل لحظة يعيشها بكل تفاصيلها الصغيرة وبكل ما فيها من ألم ومتعة، ومن جمال وقبح، ومن شقاء وسعادة، وأن يقف على حقيقة السر" الرهيب، الذي أودعه هذا النظام الكوني الذكي في النفس الإنسانية، فهي مجهزة بكل الإمكانيات والقدرات العضوية والنفسية والعقلية؛ ليحيا الإنسان في عمق اللحظة الحاضرة، والمتوافرة على كل الاحتياجات الضرورية لهذا الكائن ذو التركيبة المعقدة والخارقة.

ولكن المفارقة الكبرى هي أن هذا الكائن البشري دائم البحث عن ذاته خارج مملكة ذاته، بمعنى آخر فهو يطارد الأوهام التي يجترها الواقع ويمليها عليه الفكر الجمعي، أو ما يطلق عليه فلسفيًّا بالضمير الجمعي"، هذا الضمير الذي فقد ضميره، والتمس طريق التقليد واجترار الأفكار المعيقة التي عششت في أحشائه منذ الأزل، ولا يزال هذا الضمير يسجد في محراب الموروث، ويقتات على جثث التقاليد المبتذلة التي لفظها الزمن منذ آلاف السنين.

ومن هنا من الأجدى والأجدر بالإنسانالفردأن يحتفل بفرديته، ويغزو جحيم الآخرين الذين قال عنهم جان بول سارتر: "الآخرون هم الجحيم"، يغزو هذا الجحيم المفترض، حاملًا سلاح الفن والحب والجمال والعلم والمعرفة، فيتحرر من سلطة الموروث، وينتزع تلك العباءة التي أنهكت روحه وجسده، ويلقي بها في وادي النسيان..

فطوبى لكل إنسان سما بنفسه في سماء الانعتاق والتحرر، ورسم لنفسه طريقًا بين الأشواك، واحتفل بميلاد "فرد جديد"، ليحيا مغامرة الوجود "الإنساني" الأصيل في أبهى مظاهره وأسمى تجلياته.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

بصراحة من أجمل ما كتبت
هدوء نفسى طمأنينة راحت بال
سلام مع النفس رضى بنعم
آلله والحمد عليها آلله آلله
ولاشئ سوى الله
لى خاطرة بسيطة ومتواضع مثلى
بعنوان أبتعد في سلام
اكن سعيدة لو اطلعت عليها
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا عزيزتي ، ساطلع عليها ، دمت في هدوء وسكينة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة