كوحش يربض على صدري، غربة تُحيط بالأمكنة من حولي، أبدو كطفلة يراودها الحنين ككل مرة إلى حضن أمها، أبكي وأبكي ويغمرني نعاس طويل لا خلاص لي منه إلا بصوت الباب بإيقاعه المزعج.
كانت الخطوات تنبئ عن روح قلقة، ندم خفي، اعتذار يتردَّد بين قلبه ولسانه، اتَّجه نحو المطبخ، مكث قليلًا وهو يجيل ببصره في الزوايا والمكان الذي جمعنا حيث فتات الخبز، وبقايا قهوة تجسَّدت خريطتها على هيئة عاشقين جمعهما حضن مشقوق تشقه دمعة مختلسة وبرود لا يكف عن الإلحاح.
كنتُ أسمع خطواته دون أن أصوب عيناي تجاهه، سمعته يفتح درج الدفاتر والألبومات، ادَّعى سؤالي عن شيء يقبع أمامه ماثلًا: أين صور الأطفال؟!
ازداد الألم، اعتصر قلبي، أردتُ أن أصرخ، هل نسي أنني أكره رؤية الذكريات، كيف ستجف المآقي، لقد تكحلت عيناي بالدمع أكثر من أي شيء آخر...
لا أريدُ أن أستذكر شيئًا دعني لوحدتي، هكذا أردتُ أن أقول، كان يحاول مداراة دموعه، لا أحب أن أراه ضعيفًا، أغضبته، حتى يخرج من حالة الضعف التي أكرهها فيه، لكنه صب جام غضبه وكأنه ينتظر هاته اللحظة.
حطَّم كل شيء من حولي، خرج وعاد مسرعًا، تكلم كثيرًا، ثرثر بالسباب، وبكلام آخر لا يمت بصلة...، مزَّق ألبوم الصور، لكنها ظلت ثابتة لم تتمزق.
تبعثرت هنا وهنا وهناك، كنتُ أغمض عينيَّ بقوة ودموعي تهطل بغزارة لا تتوقف، ظلي المنحني على جسدي، وقشعريرة امتلأت بها جوانب نفسي... رذاذ المطر على نافذتي تشق ذراته الصغيرة ثغرات ما وارب من خلف الظل تتناثر مختلطة بدموع تطأ خدي بهدوء في قبلة مسروقة، تستفيق نفسي لأجدني على ضفة أخرى، كيف لي أن أعرف من أنا؟!
وهأنا أجوب بروحي
في هذا الخفاء
غربة متشظية
أبحثُ عن بقاياها
صور مقسومة بين نصفين
نصف هنا
ونصف هناك
أشياء من ذاتي
تشدني بحنين
وكلمات حد الوجع
لا مكان للعناء
هنا تظلين حرة
بلا وعود أو قصص
أخرى
مبتورة
دون رحمة
تبحثين عن جزئها
الآخر
عن كينونتها
والصور تغرق
جسدًا وروحًا
بلا معاناة
حتى الخلاص
من ألسنة الظلال
وهي تلتهب
تلتهم نصف جسد
ونصفه الآخر
يئن
تحت وطأتها
تقبله باشتهاء محموم
وهو يشتعل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.