خاطرة «غربة الروح في عالم الأقنعة».. خواطر وجدانية

أجلس أمام نافذتي، أراقب حياةً تتحرك في الخارج بملامح ليست لي. وجوه الناس تبدو مألوفة، لكنها تحمل قسوة لا تتماهى مع روحي، وصخبهم يعلو كأنه يصرخ في أذني بأغرب لغة سمعتها. في هذا العالم، كل شيء يبدو كاذبًا، زائفًا، مصنوعًا ليخفي جوهرًا معطوبًا خلف بريق لامع.

لم أكن أعلم أن العيش بصدقٍ سيجعلني غريبة، وأن نقاء المشاعر سيُعد سذاجة، وأن الملائكية التي أحملها في قلبي ستكون عبئًا ثقيلًا. أبحث عن عالم يشبهني، حيث للإنسانية معنى، وحيث لا تُوزن القلوب بميزان المصالح.

اقرأ أيضًا: خاطرة "حكاية من وحي القلب".. خواطر وجدانية

في عالمي هذا، العلاقات تبدو كصفقات، تُبنى على حسابات دقيقة: ماذا ستأخذ؟ وماذا ستعطي؟ الكلمات، التي يفترض بها أن تكون جسرًا للأرواح، أصبحت أسلحة تُطلق بغرض التلاعب، بينما تفرُّ الحقيقة خجلًا بين الحشود. المشاعر التي كنت أظنها نقية، غدت مُعلبةً، تُباع وتُشترى حسب الحاجة، ولا أحد يهتم بمصدرها طالما تحقق الهدف.

أتوق إلى عالم مختلف، عالمٍ تُقدَّس فيه القلوب النقية بدلًا من سحقها. أريد حياةً يشبه هواؤها النسيم الذي يحمل دعواتٍ صادقة، ويرتفع فيها الإنسان فوق حساباته المادية لينظر في عيني الآخر ويرى إنسانيته. أحلم بمكانٍ تكون فيه الكلمات عهدًا، والمشاعر كالماء: صافية، متدفقة، ومجانية.

اقرأ أيضًا: «متاهة الضياع: العيش في زمن الخذلان».. خواطر وجدانية

أتساءل كثيرًا: هل هذا الحلم مستحيل؟ أم أن العيب فيَّ لأنني لم أتأقلم مع قوانين هذا العالم؟ أجد نفسي أغوص في تلك الأسئلة دون إجابة، وأظل أحاول أن أحيا بنقائي وسط عالم يمجِّد الزيف. قد يكون طريق العيش بهذا الشكل شاقًّا، لكنه السبيل الوحيد الذي أعرفه.

حين أعود إلى ذاتي، أدرك أنني لست وحدي. هناك من يشبهني، من يختبئ خلف صمته؛ لأنه لم يجد من يفهم نقاء روحه. وربما يومًا ما، سنلتقي في مكانٍ بعيد عن صخب هذا العالم، نبني فيه عالمًا يليق بأحلامنا، حيث لا نخشى أن نظهر كما نحن، حيث القلوب خالية من الخداع، والابتسامات ليست أقنعة، وحيث لا يُعدُّ الصدق عيبًا.

إلى أن يأتي ذلك اليوم، سأعيش هنا، متمسكةً بنقائي، محاطةً بصدقي، ولو كلفني ذلك وحدتي. فأنا أعلم أن العالم الذي يشبهني يستحق الانتظار.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة