جاد لي الدّهر واستبقاني لبعض الوقت حتّى أعادت إليّ الكرّة من جديد، فأستيقظ على صوت رنين الهاتف مفعمًا بالنّشاط والحيويّة، ولم أدر ما بي حتّى أجبت على الهاتف، فإذا بجدّتي العزيزة تقول لي: يا للسّعادة.. (أوه) حفيدي عيد ميلاد سعيد، آلاف التّهنئات والتّبريكات تتوالى على الجوال، تحيط بي أدعيات العائلة من كلّ جانب، إنّه من أحلى الأيّام، أيّام تكشف فيها الذّكريات الجميلة، وتغذّي فيها شجرة الحبّ النّفسيّة، تستلم فيها الهدايا الثّمينة، وتسمع فيها المدح الجميل، والفكاهات الظّريفة، والشّهادات الغالية بحقّك.
إنّها لن تعود في السّنة إلّا مرّة واحدة، أيّام يشعر فيها الإنسان بقيمة نفسه، لكلّ شيء معظّم يوم خاصّ له، وأيّامنا الخاصّة هي عيد ميلادنا، إنّها يوم الشّكر والفرح، فإنّ شكرنا للإله هو سرّ استبقائنا في هذه الحياة الجميلة، إنّه يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، ماذا؟ العمر والرّزق والصّحة والبركة وهلمّ جرا.
إنّني الآن أقلب صفحة جديدة من دفتر حياتي صفحة بيضاء ناصعة، أرسم فيها الآن مشاريعي وخططي المستقبليّة، إنّني الآن أرجع بفكري قليلًا إلى الوراء وإلى الماضي الّذي فات، وأنا غارق في التّفكير، أعرض من خلال شاشة العقل أعمالي في السّنة الماضية، فأرى تارة إجازاتي فيشعل في التّشجيع والفرح، وألوم نفسي تارة حينما أرى كيف ضيّعت الفرص وفشلت في كذا وكذا، فأعضّ بنان النّدم لكن قطار الحياة يهدئني حين يهمس بأذنيّ، ما زلت حيًّا يا رجل، لم كلّ هذا الأسى والحسرة؟ إنّ قطار الحياة لم يتوقّف بعد في محطتها، فانتهز الفرص الّتي كنت قد ضيّعتها من قبل.. ولا تنس أنّ الحياة فشل ونجاح، أو نجاح وفشل، ونهوض وسقوط.
كلّما يأتي عيد الميلاد ترافقه مفاتيح الحياة فيتحفني أو يهديني إحداها، فأجد نفسي أمام باب عظيم، أنا من يفتحه لا غيري، خلف ذلك الباب شارع عظيم محفوف بالمخاطر تسمّى في لغتنا البلايا، مملوءة أيضًا بالخيرات وتسمّى في لغتنا النّعم، إن كان الإنسان مكتوب في قدره الموت فإنّها لن تكمل أسفارها عبر ذلك الباب، إمّا أن يباغتها الموت في خيراتها أو بلاياها، إذن فما دام الموت لم يعلن قدومه بعد فاعرف أنّك ستعيش رغم المخاطر والمصائب والبلايا، فلا تقف عند البلايا مخافة العبور إن أردت حقًا النّجاح، إنّ الجوزة لن تستفيد منها إلّا بعد أن تتعب نفسك بكسرها، فكلّ جنّة محاطة بالأشواك وبالخيرات، يا صديقي، لا تغترّ بجمالها ونعومتها فيتسلّل حينها في نفسك الفتور والكسل فيعيقك ذلك عن التّقدّم وبلوغ المحطّة، بل ذق منها واستمر، فما في الأمام أحلى من الشّهد حين تمرّ في بستان أخضر، فتقرّر عندها المكوث طيلة الحياة فإنّك حينها تفوت تلك الحدائق الّتي أجمل ألف مرّة من الّتي جثت فيها، إذن لا تمكث في أيّ مكان لا في الخيرات والنّعم ولا في البلايا والمحن، فالأرض تدور، والرّياح تجري، والشّمس تطلع وتغيب، والبحر تحدث بنفسها المدّ والجزر، والطّقس يتغيّر من بر إلى بحر، والسّماء تضيء وتظلم، والحالة تتغيّر من فرحة وسرور إلى حزن وهمّ، إذن لا تمكث إليها أيّها الإنسان، فلا تغترّ بجمال الألماس والذّهب حتّى تضيّع وقتك فيها، كما لا تقف طويلًا أمام مشهد حزين بل سطّر العبرة منها وامض قدمًا.
عيد ميلاد سعيد تعني أشكر الله، عيد ميلاد سعيد تعني أنّك ما زلت على قيد الحياة، عيد ميلاد سعيد تعني أنّه ما زال أمامك طريق للنّجاح، عيد ميلاد سعيد تعني أن تجهّز نفسك لرحلة أخرى، عيد ميلاد سعيد تعني أنّ عمرك ينقص والموت يقترب، فكلّ من أتى عيد ميلاده فليتذكّر قول الشّاعر المتنبّي ويختبر نفسه:
عيد بأيّة حال عدت يا عيد.. بما مضى أم لأمر فيك تجديد
نوفمبر 27, 2021, 6:48 ص
مقال رائع
ارجو ان تقرأ مقالتي وتعطيني رأيك
نوفمبر 27, 2021, 6:48 ص
مقال رائع
ارجو ان تقرأ مقالتي وتعطيني رأيك
نوفمبر 27, 2021, 6:48 ص
مقال رائع
ارجو ان تقرأ مقالتي وتعطيني رأيك
نوفمبر 27, 2021, 6:49 ص
مقال رائع
ارجو ان تقرأ مقالتي وتعطيني رأيك
نوفمبر 28, 2021, 10:20 ص
شكرا لك ياسارة نويرة تشرفت
نوفمبر 28, 2021, 10:21 ص
وسأقرأ مقالتك لأبدي رايي فيه إنشاء الله
أبريل 15, 2022, 8:46 م
تحية طيبة لقد قرأت لك بعض المقالات لديك أسلوب جيد أختي الكريمة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.