إن دمشق تحمل جاذبية خاصة وسحرًا لا يمكن للكلمات أن تعبر عنه تعبيرًا كاملًا. فهي تجمع بين جمال الطبيعة وتاريخها العريق وروحها الفريدة التي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
فقد مر عليها منذ العصور القديمة كثيرًا من المستكشفين والمؤرخين وتفننوا في الكتابة عنها:
فقد وثق الرحالة ابن بطوطة وصوله إلى دمشق في عام 1326، فقد قال إن الكلمات تفشل في وصف سحر دمشق. فاستعان بمقولة الرحالة المغربي ابن الجبير الذي زار دمشق في عام 1184 ووصفها قائلًا: "قد زينت نفسها بالأزهار والأعشاب العطرية، حلوة العبق، وأحاطت نفسها بالحدائق مثلما أحاط القمر نفسه بضيائه".
أما الكاتب الشهير مارك توين كتب عبارة مؤثرة عن دمشق حينما زارها في عام 1867 فقال: "بالنسبة لدمشق، الزمان لا يعد سوى لحظات، والعقود مجرد ومضات سريعة ليس لها قيمة. إن دمشق لا تقاس بأيام أو شهور أو سنوات، بل تقاس بالإمبراطوريات التي نشأت وازدهرت وانهارت على أرضها. إنها مدينة لا تموت أبدًا".
ولطالما كانت الحاضرة الغائبة لدى المقيمين والمغتربين الذين هاجمهم الحنين فقال مؤيد الحجازي:
أحنّ إلى.. ، ولم أكمل لأني.. أخافُ عليّ من وجع الحنينِ، تضجُّ الذكريات بها وفيها.. أعذّبُ كلما انتبهت عيوني، وأخشى يا دمشق فراقَ عمرٍ.. ولم يلثم ثراكِ ندى جبيني.
حتى نزار قباني الذي ولد فيها ونمى لم يستطع تخطي سطوتها عليه فقال:
والذين سكنوا دمشق، وتغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيقة، يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظرون.. بوابة صغيرة من الخشب تنفتح ويبدأ الإسراء على الأخضر والأحمر والليلكي، وتبدأ سمفونية الضوء والظل والرخام.
أما شعره الفاتن في دمشق بقي أثرًا تتغنى به الأجيال:
هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ… وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي لسـالَ منهُ عناقيـدٌ.. وتفـّاحُ
ولو فتحـتُم شراييني بمديتكـم سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني وللمـآذنِ.. كالأشجارِ.. أرواحُ
وفي قصيدة أخرى قال:
قل للذين بأرض الشام قد نزلوا قتيلكم لم يزل بالعشق مقتولا
يا شام يا شامة الدنيا ووردتها يا من بحسنك اوجعت الازاميلا
وددت لو زرعوني فيكِ مئذنة. أو علقوني على الأبواب قنديلا
يا شام ان كنت اخفي ما اكابده. فاجمل الحب حب، بعد ما قيلا
وفي أخرى أيضاً وهو الذي تكاد لا تخلو أنفاسه منها:
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية على ذراعي ولا تستوضحي السببا
أنا قبيلة عشاق بكاملها ومن دموعي سقيت البحر والسحبا
أما أمير الشعراء شوقي الذي نظم أبياتًا في دمشق تتراقص النبضات على وقعها فقال:
لولا دمشق لما كانت «طلَيْطِلة»
ولا زهت بني العباس «بغدان»
مررت بالمسجد المحزون أسأله
هل في المُصَلَّى أو المحراب مَروان
تغيَّر المسجد المحزون واختلفت
على المنابر أحرارٌ وعِبدان
فلا الأذان أذانٌ في منارته
إذا تعالى ولا الآذان آذان
آمنتُ بالله واستثنيت جنته
دمشق رَوْحٌ وجنات وريحان
قال الرفاق وقد هَبَّت خمائلها
الأرض دار لها «الفيحاء» بستان
جرى وصفق يلقانا بها «برَدَى»
كما تَلَقاك دون الخلد رضوان
دخلتها وحواشيها زُمُرُّدة
والشمس فوق لجين الماء عِقْيان
وشاعر النيل حافظ إبراهيم لم يتوانى عن ذكر دمشق فقال:
لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ هُنا العُلا وهُناكَ المجدُ والحَسَبُ
رُكْنانِ للشَّرْقِ لا زالَتْ رُبُوعُهُما قَلْبُ الهِلالِ عليها خافِقٌ يَجِبُ
خِدْرانِ للضّادِ لَم تُهْتَكْ سُتُورُهُما ولا تَحَوَّلَ عن مَغْناهُما الأدَبُ
أمُّ اللُّغاتِ غَداة َ الفَخْرِ أَمُّهُما وإنْ سَأَلْتَ عن الآباءِ فالعَرَبُ
في الشَّرقِ والغَربِ أنفاسٌ مُسَعَّرَةٌ تَهْفُو إليكَ وأكبادٌ بها لَهَبُ
كم غادَة ٍ برُبُوعِ الشّأمِ باكيَةٍ على أَليِفٍ لها يَرْمِي به الطَّلبَ
والشاعر راشد حسين قال فيها:
ولكنني في دمشقَ
أكتبُ شعراً وحباً وحرباً
على ضوء شمعهْ
وأعرفُ ..
بعض شموعِ الحروبِ تموتُ بسرعهْ
لكنني في دمشقَ
وشمعُ دمشقَ عزيزُ الدموعِ
وكل الشموع التي في دمشقَ تحبُّ
وتعرفُ كيفَ تحبُّ
وكيفَ تعيشُ
ولازلت أذكر وأذكر... ولا أنتهي
فدمشق معشوقة فتنت من الكتاب والشعراء ما فتنت، ولذلك أردت أن نختم مقالنا بما قالته غادة السمان فيها:
أعرف أنني مهما ركبت من طائرات وقطعت من محيطات
ورقصت بين القارات، ما زلت أتسكع في الزقاق الشامي الذي
ولدتُ فيه جيئةً وذهابًا منذ طفولتي وحتى أموت…
ومهما اغتسلت في مياه التايمز والدانوب والسين
والميسيسيبي والراين، لا تزال مياه بردى تبللني وحدها ولاتجف عني.
أعرف أنني أينما كنت، ما زلت في بيتي الدمشقي تحت ظل عينيك يا حبيبي الوحيد، يا زين الشباب، يا قاسيون الأبد.
سبتمبر 13, 2023, 3:48 م
دمشق الياسمين ...مقالك رائع
سبتمبر 18, 2023, 11:25 ص
مقال رائع... أبدعت
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.