في زوايا الذاكرة، حيث تتشابك ليالي القلق مع أيام الحنين، يقف الشاب باحثًا عن مرفأ للسكينة. يتوق للعودة إلى زمنٍ كانت فيه الأحلام قاب قوسين، حيث لم تتسلل الأعباء إلى روحه. لكن، كم من المشاعر سحقتها الأيام! وها أنا، في خريف الخامس والعشرين، أُدرك أنني لم أعد ذلك الشاب الذي كنت، بل صرت كائنًا مُرهقًا، يحمل على كاهله أوزار الحياة.
أعاصير داخلية تعصف بمشاعري، وأنا أُحاول الصمود. تتنازعني ذكريات مؤلمة، وصراخ مكتوم في أعماقي، وحزن مستقر لا يغادر. الأمواج تتلاطم في صدري، وتغمرني بمخاوف لا تنتهي. أرى ظلام الغروب يقترب، كما لو كانت الطيور قد رحلت لتبحث عن مكانٍ آمن، بعيدًا عن أوجاعي.
لكن، في خضم هذه العواصف، يأتي نسيم المساء العليل ليعيد إلى روحي ما تبقى من الحياة. يهمس لي بأن السحب الثقيلة ستمر، وأن غيمة ماطرة ستظهر في الأفق، فقط تحتاج إلى وقت. أتعلم، هذه اللحظات الصعبة ليست سوى مقدمة لشيء أجمل، فكلما أسدل الليل غطاءه، يبقى الأمل مشعًّا في البعيد.
بينما أسير في دروب الحياة، أُدرك أن كل تجربة تُعلي من قيمي، وأن كل انكسار يجعلني أكثر صلابة. الأوجاع تُصقل الروح كما يُصقل الحجر ليخرج لؤلؤة، وفي كل انكسار فرصة للنهضة من جديد. فالظلام الذي يحيط بي ليس سوى غلافٍ مؤقت، يحمل في طياته بدايةً جديدة.
ها أنا أقف هنا، أتأمل النجوم التي تخترق ظلام السماء، أراها ترمز إلى الأمل، تدعوني للاحتفاظ بالثقة بأن الغد يحمل في طياته ألوان الحياة. في كل فجر، يُكتب فصل جديد من قصتي، فصل مليء بالتحديات، ولكن أيضًا بالفرص.
اقرأ أيضًا: خواطر "لا تدري ..لعله خير".. خواطر وجدانية
إني أعلم أن كل لحظة تمر تمنحني درسًا، وأن الأحلام قد تُخفي خلفها مفاتيح للغد. لذا سأتابع المسير، بقلبي المثقل، ولكن برؤى مُشرقة، سائلًا نفسي دومًا: هل أنا مستعد للخطوة التالية؟ وفي أعماق نفسي، أجد الإجابة، نعم، فالفجر قريب، ولا بد من النهوض لملاقاته.
وفي ختام هذه الرحلة، أجد نفسي واقفًا على حافة الهاوية، أسترجع ذكرياتي بقلوبٍ مثقلة. فبينما تنسل الأوقات، لا تزال الأحلام تتلاشى كظلالٍ في الغسق. أدركت أن الفقد هو رفيق دائم، يسير معي في كل خطوة. وهكذا، أعود إلى صمتي، محاطًا بذكرياتٍ تتقلب بين الفرح والألم، كأنني أسير في ممرٍ مظلم، حيث كل بصيص أمل يبدو بعيدًا، وكل فجر يحمل معه حزن الفراق. ربما سأظل أبحث عن سكينةٍ في قلب العواصف، ولكن في أعماقي، أعلم أن الفرح قد يصبح ذكرى، والحزن هو الواقع الذي يجب أن أتعلمه.
رغم الضباب رغم السواد
رغم اوجاع السنين ألا أنى ألمح
بالافق الأمل يشرق من
جديد.
هكذا هى الحياة دروس وتجارب
دمت مبدع 👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.