خاطرة «علمتني الحياة».. خواطر فلسفية

صديقي العزيز، جئتك اليوم لنتحاور قليلًا، قد نُحدِث بذلك حراكًا لعقلي وعقلك، لعلِّي أستفيد من فلسفة حياتك.

على الرحب والسعة يا عزيزي، فكلانا يتعلم من الآخر، ونؤثر في بعضنا البعض دون أن نشعر.

إذاً، لنبدأ.

هات ما عندك.

من تجارب حياتك السابقة وما ألمَّ بك، كيف ترى الدنيا في هذه المرحلة من العمر؟

يا عزيزي،

ما بين مولد الإنسان ورحيله، رحلة قصيرة للغاية يحكمها زمن الوقت والأيام والسنوات، وهي تمثل في عمر الكون لا شيء، فالألف عام من عمر الدنيا لا تمثل عند الله سوى يوم واحد. ونحن بغريزة الأمل نتوهم بطول البقاء، في حين أنها مدة أشبه بحلم قصير للغاية، فمن يعيش ثمانين عامًا كأنما عاش ما يقارب الساعتين مقارنة بحسابات اليوم عند الله. ولك أن تتخيل معي هاتين الساعتين، تتخللهما تعب ومشقة وأحزان وأفراح وصراعات وخوف وقلق وتوتر... إلخ.

وبرغم ذلك، ورغم قصرها، فهي رحلة أشبه بالمعصرة، تُخرج أفضل أو أسوأ ما فيك، لذا فتخيَّر مخرجاتك التي ستتركها إرثًا لغيرك؛ لأنها ستكون خير من يتحدث عنك في حياتك أو بعد رحيلك، وتذكر أنهما ساعتان قد تزيدان كسرًا من الدقائق، وقد تكونان أقل.

لذا، فاحذر أن تغرك الدنيا ببريقها وتلألئها، فلو دامت لغيرك، لما وصلت إليك. وكن على يقين أن الله يراك في سكونك وحراكك، فلا تجعله أهون الناظرين إليك.

واحذر من المعصية، فإنها تغلق كل أبواب الخير، وتنزع البركة من حياتك وعمرك والقبول من الناس، وتفتح عليك أبواب الشر فتهلك. فاجعل الاستغفار صاحبك، فهو طوق النجاة، واعلم أنها دنيا، ودوام الحال فيها من المحال.

يا صديقي، مهلًا مهلًا، أنت تطالبني بالزهد فيها ونسيان سعادتي وحظي منها، وأنا لست من العارفين.

يا عزيزي، أنا لم أقل ذلك ولم أطالبك به، بل ابحث عن سعادتك فيها، ولكن اعلم أن السعادة في هذه الدنيا ليست مطلقة. فإن لم تجدها، فاصنعها لنفسك بالمتاح، وسل نفسك دائمًا: هل ما تسعى إليه وتلهث خلفه هو ما تريده حقًّا؟ أم ما تريد أن يشاهده الناس عندك؟ أو لديك أو تمتلكه من أجل التفاخر؟ إجابتك هنا هي ما سوف يحدد لك سعادتك النسبية أو شقاءك أو تعاستك الدائمة.

وإذا أردت الزهد، فتعلم أن تزهد فيما هو في أيدي الناس تكن أغناهم. ولكن مفهوم السعادة لدى كل منا يختلف من إنسان لآخر، فكل منا يبحث عن السعادة بطريقته. ولكن في النهاية، مهما تعددت الوسائل التي ننتهجها للحصول على تلك السعادة، فهي نسبية منقوصة، لكن علينا أن نستكملها بنعمة الرضا والعطاء لمن حولنا.

وكن على يقين، يا عزيزي، أن الشعور والإحساس بالسعادة ليس فيما نمتلكه من المال أو الحصول على سكن جديد أو سيارة جديدة... إلخ، فكل هذه الأشياء في مرحلة من العمر قد لا تمثل قيمة نفسية أو روحية لك، حتى إن معظمنا يستنزف طاقته وعمره وهو يلهث خلف تلك المقتنيات وغيرها.

ثم تأتي اللحظة التي يتساءل فيها: هل حقًّا أضعنا أعمارنا في أشياء غير مجدية؟ وتركنا وأهملنا ما يشبع أرواحنا ومتطلبات طاقتنا الروحية، حتى استُدرجنا إلى فصل الخريف وأوراق الشجر المتساقطة؟

وأخيرًا، كن قنوعًا بما في يدك، ولا تتمنَّ حياة غيرك، فأنت لا تعلم ما فيها، ولا ترى سوى الظاهر منها فقط، أما خفاياها فلا يعلمها إلا الله، واعلم أن الجميع مبتلى.

ولكن يا صديقي، من يعيش بمشاعره وإحساسه هم أكثر الناس تعبًا، ألا تتفق معي في هذا الرأي؟ لا سيما في لحظات اختلافنا مع الآخرين، حتى يطلق عليهم البعض "الطيّبون".

بالطبع يا عزيزي، إن أكثر الناس الذين يعيشون بإحساسهم ومشاعرهم هم أكثر الناس تعبًا وحزنًا ومشقة، وأكثرهم نقاءً؛ لأن كل ما يمرون به من أحداث يؤثر فيهم، حتى أبسط المواقف والكلمات. لذا، إذا أردت أن تعيش متصالحًا مع نفسك، فلا تنزعج من سلوك وأفعال بعض الناس، لأنني أنا وأنت من الناس، وقد نصيب وقد نخطئ.

حتى يستريح قلبك، لا تبنِ آمالًا واسعة على غيرك، فلا تعاتب، ولا تتعشم، ولا تنتظر، لأننا جميعًا فقدنا جزءًا كبيرًا من الفطرة السليمة التي وُلدنا بها، بفعل تأثير البيئة من حولنا، إلا من رحم ربي.

فحافظ أنت على ما تبقى لديك منها، وما تظن أنك افتقدته في الناس، فتعامل معه على أنه مات، حتى يستريح قلبك وتهدأ نفسك، ولا تدخل في صراع مع نفسك، فمن مات لا يعود. فلا تنتظر أحدًا، ولا تعاتب أحدًا، ولا تتعشم في أحد، وتعامل مع الجميع بسلامك النفسي.

واعلم أن لهذه الدنيا نهاية، وأنك ومن تعاصرهم، مهما طال بكم العمر، فكلنا راحلون. فاجعل ملجأك إلى الله في أي أمر من أمور الدنيا، واعلم أن من ينتظر المدد من البشر وحدهم فقد يلحق به الخسران، لأن البشر أسباب، فلجأ إلى رب الأسباب، وهو يسخر لك من يرضاه لك من البشر.

معذرة يا صديقي، هل أعطيتني صفات محددة لهؤلاء الطيبين؟

  • الطيبون دائمًا يحزنون سريعًا.
  • يتأثرون بردود أفعال من حولهم.
  • يلتمسون الأعذار لمن حولهم.
  • لا يجيدون فن التلون.
  • واضحون في احتياجاتهم.
  • لا يجيدون فنون المماطلة واختلاق الأعذار.
  • لديهم ثقافة الحياة بفطرتها السليمة.
  • يمتلكون الصبر، ويظنه الآخرون ضعفًا.

لذلك، إذا خرجوا من حياتك، فلن يعودوا لك أبدًا مهما حاولت.

أحسنت يا عزيزي، ولكن كيف ترى من يتعصبون لآرائهم ويصرون عليها؟

إنه الغلو والتطرف والتشدد، وهذا قبح يشوه النفس ويزيدها غطرسة، فالتعصب الأعمى يهلك صاحبه، ومن يتبع متعصبًا ويوافقه، فقد سار خلف جهله. واعلم أن لكل عقيدة عُميانها، يهلك بعضهم بعضًا.

فقبل أن تغضب لرأيك وتندفع خلفه، اقرأ وابحث وتدبر، وخاطب عقلك بما تقرأ وتسمع وتشاهد، وبما معك من استدلالات، حتى يكون لديك الحجة. وكن وسطًا معتدلًا، حتى في غضبك لرأيك، فسلامة النفوس تعلو بالرحمة والتواضع، وليس بسمت العقائد. ولا تنسَ الجزاء العظيم للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.

ولكن حتى الآن لم تخبرني عن نفسك؟

يا عزيزي، شأني شأن غيري من الناس، فقد تراني ضاحكًا، وتراني باكيًا، تراني أتكلم بحكمة، وتراني أداعب بخفة، فلكل مقام مقال.

أما العلوم والمعرفة، فجمعت منها ما يتزن به عقلي، وأما الكياسة والفطنة، فلي فيها مواضع. وتعلمت من حياتي أن احترام الآخر من احترام ذاتي، ولست أبتغي المثالية، ولكن أعيش بإنسانية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا لمروركم الكريم
🙏🌹🙏🌹🙏🌹🙏
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

حقا رائعة.........جدا
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكراً لمروركم الجميل 🙏🌹🙏🌹🙏🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

وصف راقٍ ، دقة في التعبير ، الطيبون هم أولئك الذين يحاولون دائما ألا يتعثرون فيتعثرون ، يتعثرون بأشخاص مؤذيين ، يتأثرون بأحلام حاولوا أن
يحققوها لكنهم لم يوفقوا ، الطيبون هم الأشخاص النادرون إن صادفتهم يوما تمسك بهم لأنهم حقيقيون لا يجيدون التصنع ولا يؤذون .. وكل ما نسعى إليه أن نترك أثرا طيبا يذكروننا به بعد مماتنا .
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

اسعدتمونا بثنائكم الجميل..وتصاعفت سعادتنا بعباراتكم الطيبة عن الطيبون👌👌👌
🙏🌹🙏🌹🙏🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة