فجأة تقلصت الدائرة، وأصبحت تسع عائلتي وبضعة أشخاص أتكلم معهم براحة ولا أحتاج إلى تبرير، أصحبت تسعني فقط رغم أنها كانت تسع الناس كلهم قديماً، لكن الآن أصبحت لا أطيق التحدث وكأنني نضجت، لكن بئساً لوجع النضج فقد قدم لي على طبق من قسوة، حتى أصبحت أحبذ العزلة وأعشق الظلام، وأحب رائحة الدم...
لكن وجدت الصغير الذي بداخلي يلطمني قائلاً لا أريد أخاف المكوث وحدي وبداخلي صوت ناضج يقول لي العزلة موطن روحك المتعبة.
لطالما انتظرت لحظة أي يقال عليَّ أنني نضجت، ولكن أهذا هو النضج أن تواجه مخاوفك وحدك وأنت لا تملك حتى رمحاً تدافع به عن نفسك، أن تحاسب على كل خطأ وتتحمله وحدك، أن تغلق عليك وتبقى في فضائك المظلم وأنت في أسوأ حالاتك، لكن لا تستطيع أن تبوح لأحد هذا لأنك ناضج وتحل كل شيء بطريقتك الخاصة..
ربما أحس ببعض الفراغ الداخلي، الذي لطالما تعبت في ملأه، وحاولت جاهدة إسكاته، لكنني لم أستطع عليه، كان يراودني في كل مرة أخلو فيها بنفسي، أو حتى لو كنت في مكان مزدحم بالبشر، فلم يصمت الأنا الذي بداخلي ولو مرة..
أحياناً أقع في حب الأنا الذي بداخلي وأكون ممتنة له، لكن مؤخراً أصبح يثقل كاهلي في كل مرة يحاسبني على كل ما فعلته، وعلى ما لم أفعله، لدرجة أنني أصبحت أخاف من التعامل مع البشر خشية تأنيبه، فوجدتُ عزلتي هي ملجئي الوحيد لإسكاته فأصبحتُ اجتماعية وسط المنطويين ومنطوية وسط الاجتماعيين..
قد تقول وأنت تقرأ كلماتي أنني متناقضة مع نفسي، لكنني لا أكذب قولك بل أشكرك على الانتباه لأن كل من حولي لا ينتبهون لتفاصيل وجهي المرهقة، ويظنون أن ابتسامتي حقيقية، وحتى أقرب الناس لي لطالما انتظرت حضناً طويلاً يسكن داخلي ويطفئ الشعلة التي بداخلي، لكنني سئمت من الانتظار، وقررت احتضان نفسي وها أنا أحبذ الكلام القليل، والسكوت الطويل، وتلك العزلة السرمدية التي لا نهاية لها ولا بداية.
عزلة سرمدية تلك العزلة التي لا تنقطع...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.