البخل مرض نفسي يصيب بعض البشر لا يلزم أن يكونوا فقراء لا يملكون المال حتى يصابوا بهذا المرض، بل إن منهم أثرياء، ولكن لم يتعودوا البذل والعطاء..
يوجد مقولة بأن بخيل المال بخيل في العواطف والحب أيضًا، ولكن برأيي هذا ليس صحيح، فقد يصادف أن يبتلى المرء بالمرضين معًا وقد يبتلى بنوع منه...
والبخل له أشكال متعددة؛ إذ يوجد الكريم في بيته لا يحرم أولاده وزوجته شيئًا وتجده بخيلاً على الآخرين، فإذا جاءه ضيف يقدم له ضيافة زهيدة...
ويوجد العكس تجده يضن على أهل بيته في حين يبذل الغالي للآخرين متظاهرًا بالكرم والعطاء، وقد يظن الغرباء أن أهله في نعيم دائم وقد يصابون بالحسد على هذا الزوج والأب السخي..
ويوجد البخيل داخل بيته وخارجه فيتحسر على ما يخرج من جيبه من مال ويتساءل كيف فعل فعلته الشنعاء هذه..
ويوجد من يبذل المال ولكن قلبه جامد لا يذيبه عطف أو حب، حتى وإن أحب فلا يظهر حبه وكأن إظهاره جريمة يحاسب عليها القانون، متجهم الوجه لا يبتسم.. فكيف يشعر الآخرين بالراحة والسرور؟ الغضب والعبوس وظيفته لمدارات عواطفه، يشقي من حوله فالراحة عطاء لا مبرر له عنده....
وأكبر ظني أن بخلاء العواطف أشد قسوة من بخلاء المال... هذا إن أردنا أن نقارن بينهم... ولو أن عشرة الاثنين، عذاب مدقع ويرجع البخل إلى نشأة الفرد في بيئة عائلية قاسية خالية من المودة والعطف..
وقد روي عن الإمام عليّ (رضي الله عنه) عجبت البخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغني الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء..
اكتشفت أن لدي هواية مشاهدة البلاء ومراقبتها والاستماع إلى حكاياتهم من المخالطين لهم والتفكة بحكاياتهم..
وفي كثير من الأحيان الحزن معهم على ألم مخالطتهم واضطرارهم للعيش معهم...
حكت لي إحداهن: عندما كنت صغيرة ذهبت للعب مع جارتي، وجاء وقت تناول الطعام فحاولت الانصراف لكن جارتي غضبت، وأثرت أن أبقى حتى تنتهي من الغداء، وشاهدت أبيها وهو يناول أبناءه قطعة، وكان يقوم بقضمها أولاً.. لصغر سني لم أجد تفسيرًا ولكن مع الوقت عرفت أنه بخيل ويستكبر قطعة اللحم على أولاده ورغم ذلك كان حنونًا..
حدثتني أخرى فقالت: كان لدي محل لبيع لوازم التجميل، وكان بجانبي محل كوافير تملكه سيدة مسنة فحسبت أن هذا من حسن الحظ فسأبيع لها كثيرًا، ولكنها كانت بخيلة جدًا فتشت في بنس الشعر بالتقسيط المريح وتتحسس الجنيهات قبل إخراجها من جيبها، بل وتأخذ أشياء بسيف الحياء ولزوم الحيرة، وعرفت أن جيرتها من سوء الحظ وأغلقت المحل وذهبت بعيدًا عنها..
حدثتني أم والدموع في عينيها: زوجت أبنائي وبناتي، وكنتُ أجمعهم أسبوعيًا وأعدُّ لهم العدة، وأشتري أنا وزوجي كل غالٍ لهم لكي يسعدنا بيومهم ويقضون وقتًا ممتعًا معنا، ولم يعزمنا أحدهم في منزله أو يقترح أن يريح أمه من وقفة المطبخ ويتولى جمعهم ولو مرة، وقد حدث ظرف استوجب أن أزور ابني وأبلغته قبلها بيوم، وفي الزيارة كانت زوجته متثاقله جدًا في تقديم الضيافة، وتكتفي بمشروب واحد، وتجلس عليه حتى ذهبت أنا وزوجي وقررنا أن نستقبل الأولاد ولا نذهب لهم نحن حتى لا نحزن منهم، والحقيقة أني أعرف أن زوجته بخيلة تأخذ ولا تعطي، وإذا اشترت هدية تعلم صاحبها بالثمن المدفوع فيها..
قالت لي إحداهن: ذهبت لزيارة أخي قبل اختراع المحمول ولم يكن يعلم بالزيارة، ولكن أخي هذا ميسور الحال وأنا وقتها كنت في ضيق من العيش، وطرقت بابه وكان عنده وليمة لآخرين، وعندما رآني بهت وأخذ يؤنبني على زيارتي المفاجئة وأن أتصل به قبلها.. فاستأذنت بحجة أن زوجي ينتظرني في الشارع لنشتري بعض الحاجات وقررت ألا أذهب له مرة أخرى..
وقالت لي أخرى: زوجي رجل عزيز النفس كريم ومضياف... احتاج يومًا لبعض المال، فأشرت إليه بصديق له مسافر خارج البلاد، فأرسل إليه برسالة أن يقرضه بعض المال لمصلحة ما، ولكن ما حدث لم يخطر ببال!
رد عليه صديقه بأن المال لا يأتي بالساهل، وأنه يشقى في جمعه، وإذا اضطر لإقراضه فيجب معرفة وقت سداده.... فرد زوجي عليه بكلمتين شكرًا لك.. وانقطعت صلته به.
هؤلاء هم البخلاء..... قد تراهم في حياتك بطريقة عابرة وقد تضطر للتعامل معهم أو التعايش معهم فلك الله... هم مرضى شافاهم الله.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.