كيف لا أكترث لشيء ولا أنشغل ولا أهتم ولا أحذر؟ وكيف أصل إلى أن أكون لا أريد؟ فأنا الآن أريد ألَّا أريد!أريد الوصول إلى عدم الاكتراث أو الاهتمام أو الانتباه إلى الأشياء التي أقوم بها عندما لا أهتم بغيرها.
بداية من تلك القهوة التي أختار نوعها ولا يناسبني غيرها، ثم أُعدُّها بحذر شديد لتخرج مطابقة للمواصفات، ثم أضعها برفق على الطاولة، وإذا أشعلت سجارتي أظل مهتمًّا بها حتى لا تبرد وأنتقي الوقت المناسب لأرتشف منها، وأيضًا بحذر؛ لأنه يوجد عليها ذلك (الوش) ويجب ألا يسقط، ويجب أن أنتهي منها قبل أن تبرد وتعكِّر مزاجي إذا لم أختمها بتلك الرشفة الأخيرة.
هذا فقط عن قهوتي التي -أحيانًا- أعدها للانتباه وأحيانًا أخرى للاسترخاء.
أريد ألا أنتبه لذلك الهاتف الذي عليه أن ينبهني هو لا أنا. إذا جعلته صامتًا أتتبعه وأنظر إليه من وقت لآخر وأنبهه لينبهني.
الصفحات التي لا جدوى منها ولا من غيرها، والمواقع التي تقيد واقعي وترسمه بحدود تفرضها عليَّ بالإلحاح والإلحاق.
هذا عن الهاتف الذي أنبهه أنا لا هو.
أريد أن أتوصل لنتيجة علمية لمعادلة الطقس والمناسبة والثياب.
ذاك الأول العنيد المعاند المختلف المخالف حتى إذا توصلت لاتفاق بين المناسبة والثياب تمرَّد هو وجعلني أندم على اختياري دائمًا بعد اتخاذ القرار. أما عن المناسبة والثياب فأعرف ما سأختاره أو هو الذي يختارني بعد عدة تجارب وتبادل وتوفيق.
والنهاية تكون مللًا، وأختار ما يختارني ويجلس أمامي ينظر إليَّ وينتظر أن أعود إليه، إنه الثوب المعتاد في النهاية، لكن بعد البحث عن البعض وكيِّ الآخر وبعثرة الجميع أعود إليه.
أما عن الوقت..
أشعر وكأنه شيء مادي فى يدي أُجبر على توزيعه على العالم، أشخاص وأماكن وأدوات، يؤخذ مني عنوة، حتى إذا تبقى منه أقل القليل أهرب به عائدًا إلى سريري لأعطيه ما تبقى، فلا يكفيه ويجبرنى على الانصراف بعد قليل منه لأعيد كل ما سبق من جديد.
هذا عن دائرة وقتي.
هذا وغيره ما أكترث به عندما أقرر الاكتراث بشيء. وفكرة ألا أكترث ولا أهتم دائمًا تلاحقني، وكأنها الحل الوحيد.
اصطدمت يومًا بكتاب يدعو لعدم الاكتراث، وآخر يدعو لكيف تكون مسيطرًا، وثالث يدعو للتحرر من الأفكار المسيطرة، ورابع يدعو لكل أساليب النجاح، وخامس يدعو لحياة بدون ألم، وسادس يدعو لأهمية الألم، وسابع يدعو لقواعد الوصول للقمة، وثامن يدعو لأفضل حياة والتخلص من اليأس، وتاسع يدعو لكيفية التعامل مع البشر، وعاشر عن الرجال، وحادي عشر عن النساء، وثاني عشر عن كيف تتخلص من القلق، وثالث عشر عن كيف تكسب الأصدقاء، ورابع عشر عن كيف تقرأ كل هذه الكتب، وخامس عشر عن كيف تتعلم...
وأعرف أنه يوجد مزيد من الآخر الذي يدعو لشيء آخر.
وهكذا كانت تسوِّل لي نفسي أنني إذا قرأت الكتاب الذي يدعو إلى كذا سأكون كذا، وأتخلص من كذا...
لكن أيها؟ فالحقيقة أنا أحتاجها جميعًا لأكون في أفضل حال.
وبدأت أقرأ وأبحث عن الآخر وأنتهي وأبدأ بالآخر التالي وغيره وغيره...
تعلَّمت من الأول ثم الثاني، والثالث بدأت فيه فوجدت أني لا أطبِّق ما في الأول جيدًا، فعدت أراجعه، ثم عدت أكمل الثالث فتعثرت في بعض ما فيه، فتوقفت لكني كنت اشتريت الآخر عن الأمل فقرأته وعدت أقرأ الأول من جديد لأكون الأفضل وأحصل على كيف تكون كذا وكذا وكذا.
لم أكن أريد هذا من قبل، لم أكن أريد أن أحصل على كل هذا، لم أكن أريد أن أكون مثاليًّا إلى هذا الحد.
كيف تكون وكيف تحصل وكيف تنجح وكيف وكيف...
وتحولت إلى رافض كل العيوب بداخلي، وأريد أن أصلح كل عيوب الآخرين؛ لأني اقتنعت أن الإنسان يمكنه أن يكون كل ما في هذه الكتب... يعرف كل شيء، يتحكم في كل شيء، لا يحزن، ودائمًا يفرح، لا يرفض ودائمًا يقبل، لا... ودائمًا...
لكن لم أستطيع أن أكون هذا الإنسان رغم قراءة ودراسة كل هذه الكتب، ونسيت أني فقط كنت أريد أن أرتاح قليلًا وألا أكترث بشيء.
الآن أريد ألا أكترث بتلك الفكرة؛ لأنها لا يمكن القيام بها أو فعلها، وإذا تخلصت منها سأكون عرفت ما يجب ألا أكترث به، وعدم الاكتراث هو أن أوقف العمل بتلك الكلمات:
«يجب، والمفروض، ولازم».
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.