عد الكتاب والأدباء القهوة مشروبًا روحيًا مرتبطًا بالفكر والثقافة والأدب والفن، فالقهوة هي الطقس الخاص لمعظم الشعوب بأشكالها وأنواعها المختلفة التي تجعل من ثنائية (العقل-القهوة) ثنائية متلاحمة روحية خاصة لها ملامحها الجمالية والذوقية والعاطفية الخلابة.
وللقهوة أنواع، منها قهوة في جلسة مع شخص ما، وقهوة بطعم الحب مع من نحب، وقهوة فكرية ممزوجة بجدلية الوعي والفكر، وقهوة بطعم الموت في ساعة عزاء، وبطعم الفرح في الأعراس والمناسبات الخاصة، وهناك قهوة ميلاد، وهناك قهوة اختلاء مع النفس...
دائمًا نجد شخصًا يقول: «أنا من عشاق القهوة»، فالقهوة بمادتها الحلوة المرّة، وبألوانها التي تمثل طابع تحميصها وإعدادها ليست مجرد مشروب يؤدي جلسة مساج للعقل، إن القهوة قوة إضافية لليقظة، ودفعة صادمة لترتيب الأمور وتخطيط الحياة، لذا فإن شرب القهوة لا يرتبط بالقهوة ذاتها، وإنما بالبوصلة التي يمكن أن نحدد المكان الذي نحتسي أو نرتشف فيه القهوة، ونحدد الزمان الذي تكون فيه القهوة غروبًا أو شروقًا للنفس.
إن أول خطوة لاحتساء القهوة أن يكون الدافع لا إراديًا من الذات نفسها، فالبعض ممن يطلبون القهوة يطلبونها دونما اشتهاء، ثم يطلبون التذاذها، إن القهوة كالمرأة لا يمكن معاشرتها قبل رؤيتها وقبل وجود الغريزة الكامنة للنفس تجاهها؛ لذا فإن مراسم القهوة المحبب يكون عند اندفاع أحاسيسنا لاحتساء مكنون ما يجهله الجسد وهو القهوة؛ أي لسنا نحن من نطلب القهوة، إنما على القهوة أن تطلبنا في أحاسيسنا.
وحول وضعية القهوة فيمكن القول إن القهوة تقدس الحرية، فهي لا تلزمك بطريقة جلوس أو أسلوب احتساء، إنما تدفعك لممارسة حريتك وانطباعك وشخصيتك لاحتسائها، فلا تلزم نفسك أن تجلس جلسة المثقف أو المفكر لتتمتع بقهوتك، بل عليك أن تكون ارتجاليًا حسب سجيتك التي تطلبها غرائزك.
فقد نجد من تدفعهم القهوة إلى شربها في عز الظهيرة، ومنهم من تدفعهم القهوة للتأمل في نجوم المساء، فلا يمكن للقهوة أن تجبرنا على ارتداء عباءتها؛ لأنها هي التي ترتدي عباءتنا لتكون متعتنا مضاعفة.
ورد في مثل متوارث عند سقوط فنجان قهوة «سقوط القهوة خير»، لعل تلك المأثورات الشعبية التي تتناقلها الأجيال تجعل من القهوة سائلًا زمزميًا خاصًا، له أبعاده الاعتقادية والفكرية والفنتازية الخاصة.
وهذا يدل على أن الأعراف والأذواق لم تتجاهل القهوة حتى في سقوطها، وكأن الأذواق لا ترتبط بالقهوة لمجرد الاحتساء، بل في كل مآلاتها المختلفة التي تجعلنا أمام سيدة اسمها قهوة، وهي سيدة حكيمة وصوفية جدًا، لها حقوقها الإنسانية الخاصة المتسمة بالسمو لتلتحم بآلامنا وآمالنا المتباينة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.