كان الجميعُ صادقًا إلا هو، جعل نظراتي صغيرة في أعينِ أولئك الذين سخرتُ منهم يومًا وأنا على ثقةٍ أنه فقط الصادق وكل أولئك يكذبون على حبيباتهم، بيد أنَّ صدمتي به وذهولي عن تصرفاته كانا أكبر مما توقعت.
كان بطلي هو المنافق فيهم، ذاقني من ضبابية الهوى أوهامًا، ولا منطق في الحب أحيانًا، كنت أهيم به جنونًا، شخصي المفضل، توأمي المثالي، شبيهي الذي لن أجد مثله شبيهًا، نصفي الذي لا أكتمل دونه إلا أن ما بيننا لم يكُ حُبًّا.
هو لم يتقبلني كوني حبيبةً قط، كنت عنده فتاة كغيرها من الأخريات اللائي يملأن جميع أوقاته، فتى مثله لا يعرف ما الحبُّ لا أظنه يضيع من بين يديه الفرص ليتلذذ من فتاة لأخرى.
هكذا كان دائمًا، يتصيد الإناث أو الفرص وأحيانًا كليهما؛ فقد يجد مع فتاةٍ فرصتين وأكثر، وقد يجد عشرة فتيات بفرصةٍ واحدة، ماهرٌ لا يكلُّ من ذلك.
كنت أحسب أني أحبه لكني وأيم الله كنت أكذب على ذاتي دون أن أشعر، رسمتُ لنفسي بيتًا كان سيدًا فيه، أن نعيش معًا في عالمٍ يماثلنا، كأن يقول لي: «أنتِ أناي الأخرى، شبيهتي التي بحثتُ عنها كثيرًا وأخيرًا انتصر قلبي بالعثور عليها، أتوجكِ ملكة على عرش نابضي فهل توافقيني أن تكوني نصفي الآخر وتوأم روحي الذي لا ينفصل عني البتة، أخبريني هل توافقين؟».
أكرر هذه الكلمات لنفسي على لسانه على أملٍ أن ينطق بها يومًا أو أن يلمِّح في أحاديثه أنه يبتغيني، ولكن فقط كنتُ أكذب! كنت أحب حبه لي وليس ذاته! وأظل كل يوم أبحث عن رسالةٍ منه، ليطمئنني على حالي الذي بات مأسورًا في داخله، رغم ذلك ما فتئت لوحدي أبحث عنه.
حديثه لا يغادر ذاكرتي، كلماته حُبستْ في داخلي أو لي أن أقول إنها غرقتْ في أعماقي فلم تجد سبيلًا للخروجِ، وأنا كذلك غرقت فما عدتُ أرى غير صورته التي لا أجد سبيلًا لتمزيقها خشية عليه من الأذية، رغم أذيته لي، لا أسمع سوى صنو صوته وكلماته الكاذبة التي ببراءة قد صدقتها، ولا تمر إلى أنفي رائحة إلا وتجدها عبرتْ إلا رائحته هي فقط التي استقرتْ، لتذكرني بحجم الخذلان الذي تلقيته منه.
الأذى الذي تلقيته منه كان كبيرًا، رغم ذلك لا أحمل بقلبي حقدًا عليه، كل ما أطلبه من نفسي هو النسيان أو التناسى، فكلما مَرَّت الذكريات بخاطري تنساب قطرات من مجرى مدمعي لكن ليست حنينًا له.
إنَّما من لوعة الأحزان التي اعترتني بسببه، فكاذبي كان بارعًا جدًّا في اختيار الكلمات، يُحِيكها بمهارةٍ، ويرسلها أغنية عذبة على مسمعك فتقع في طُعم وُدِّه فريسة، دون أن ينوي الخير لمن هو أمامه، رغم ذلك سأغفر له حتى لا يكون بيننا لقاء مرة أخرى، ولا يُحارب عصب الذكريات لديَّ، فيا ليته كان يعلم أن المطالب لا تُحقق إلا إذا صدقت النوايا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.